"الذيل الذي يهز الكلب"

 

الطليعة الشحرية

"من وقع عليه القهر ولم يدفعه عن نفسه اكتسب طبع المذلة" ابن خلدون

عندما تكتسب النفس طبع المذلة والتي تخالف الفطرة السليمة؛ تصبح المذلة عادة وطبعًا مألوفاً فالنفس لم تتربَ على التحليق في معالي الأمور وتجنب الإسفاف وبالتعالي تنفر من العزة وتنجذب للذل ويصبح الأمر عاديًا وتتطبع بتلك العادة المشينة والبغيضة.

ويتعدى الأمر العادة إلى التبرير وإيجاد الأعذار لحالة الذل والمهانة فتصبح العادة في تلك الحالة اختيارا وإرادة تامة ويتحول الإنسان إلى ذليل فهو نتاج لإرادته وليس بإكراه وقع عليه.

وعندما تنتفض البشرية السوية رفضاً للمجازر والإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر 100 يوم في غزة، ولم تقم غير جنوب أفريقيا بمقاضاة الكيان الصهيوني المحتل وتنضم إليها تشيلي والبرازيل ومن ثم تقوم نامبيا بتوبيخ ألمانيا وإحراجها بعد إعلان ألمانيا دعم المجازر في إسرائيل، ومؤخرًا إندونيسيا تقاضي إسرائيل بمحكمة العدل الدولية في لاهاي وجاء في الدعوى المقدمة أن احتلال إسرائيل للشعب الفلسطيني غير قانوني وعليها احترام القانون الدولي. فهل علينا كعرب أن نطرح السؤال الأزلي الذي طرحته الفنانة جوليا بطرس " وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟

عذرًا أيُّها العالم السوي وعذرًا للفنانة جوليا بطرس، فالعربي مشغول حاليًا وخارج إطار الخدمة ومشغولون حاليًا "بذيل الكلب"، وأغنية وين الملايين انتهت وشغلت محلها أيقونة احتجاج عالمية جديدة وحدت كل الشعوب، بل وتعد نشيدا دوليا جديدا ضد الصهيونية وهي باللغة السويدية "Leve Palestina" (تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية).

ذيل الكلب..

الاستعارة من العبار الأمريكية الشهيرة "هز الكلب" تستخدم في اللغة الإنجليزية لصرف الانتباه عن حدث مُعين أو فضيحةٍ ما وفي الغالب ما تكون سياسية وتظهر كذلك قوة وسائل الإعلام الغربية كما تستخدم في كل تحليل إعلامي أمريكي للحرب.

عبارة "الذيل الذي يهز الكلب" تشير إلى القادة السياسيين الذين يخترعون حروبًا في الخارج لتحويل الأنظار على المشاكل الداخلية. أصدر الكاتب الأمريكي لاري بينهارت رواية بعنوان "البطل الأمريكي" هي رواية من نوع الهجاء ونظرية المؤامرة صدرت في عام 1993 ثم أعيد إصدارها باسم يهز الكلب في عام 2004. وقد تكهنت الرواية بأنَّ عملية عاصفة الصحراء أُعدت من أجل إعادة انتخاب جورج بوش الأب لولاية ثانية (أخذ إشاراته من حرب مارغريت تاتشر المماثلة في جزر فوكلاند) وفي الوقت نفسه تحليل لماذا كان الصراع شعبيًا. شكل الكتاب الإلهام والأساس لفيلم عام 1997 ذيل الكلب.

الحقيقة أن سياسية "ذيل الكلب" هي ذاتها التي يتبعها النظام الصهيوني الصليبي، فإدارة جو بايدن تصارع مديونية تعدت 33 تريليون دولار ويعود ذلك بسبب زيادة الإنفاق الحكومي نتيجة السياسيات الخارجية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية. أدى الإنفاق الناتج عن الحروب إلى إضافة تريليونات الدولارات إلى الدين القومي ومع ارتفاع احتمالات تخلف الولايات المتحدة عن سداد الديون إلى ركود في الولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية؛ حيث إنه بمجرد إعلان الولايات المتحدة عن عدم قدرتها على سداد ديونها فإنَّ ذلك ينذر بالفوضى داخل الأسواق المالية الأمريكية والعالمية. ومن أهم الآثار السلبية لذلك تقليص المزايا الفيدرالية للمواطنين الأمريكيين، ومن المتوقع أن عشرات الملايين من الأسر الأمريكية قد لا يحصلون على مزايا فيدرالية، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية والمساعدة الطبية، والمساعدات الفيدرالية المتعلقة بالتغذية والمحاربين القدامى والإسكان، وارتفاع معدلات البطالة.

أفلا تحتاج أمريكا وادرتها إلى "الذيل الذي يهز الكلب"؟ لإنقاذ سمعة الرئيس؟!

لكن لماذا يحتاج بعض العرب إلى توظيف سياسة "الذيل الذي يهز الكلب"؟ هل لستر عورة أم ترقيع لتنصل الجانب الإسرائيلي وزعمه في محكمة العدل الدولية أنه لا يمنع دخول الدواء والغذاء؟

يُرسي المفكر "ابن خلدون" قاعدة إنسانية مهمة مفادها: "من وقع عليه القهر ولم يدفعه عن نفسه اكتسب طبع المذلة" وعليه كلما ازدادت العادات التراكمية في عقدة الخضوع كلما زادت سيطرة العقدة وكان من الصعب جدا تحطيمها. وليس هناك من ذل مقيت أكثر من رؤية إخوة لكم يطلبون الغوث والمدد والجميع يتفرج بصمت، بل ينافح وينافخ ويقزم المسألة ويحشرها في زوايا مذهبية وطائفية وعقائدية وتحت مظلة مبررات دنيوية واعتبارات ومعايير، ومصطلحات، وشعارات عالمية، وضعية.

عندما تصنف أمريكا الفلسطيني والأفغاني واليمني والسوادني وكل من لا يُعجبها بأنه "إرهابي"، وتمد الكيان المحتل بعشرات الآلاف من القنابل التي أسقطتها إسرائيل على غزة منذ بدء العدوان على غزة، فمن أكثر إرهابًا وقمعًا ودموية من أمريكا الصهيونية؟ ومن هم الوحوش والإرهابيون؟ أليس الغرب البربري الذي يدعي تبني قيم الحرية والمساواة والعدالة، بينما هي شعارات لا يحق لأحد أن يطالب بها إن لم يكن أبيض اللون!! فهذا لسان حال ناميبيا في الوقت الذي لم تتوصل فيه ألمانيا لاتفاق شامل مع ناميبيا يتيح طيّ صفحة الإبادة الجماعية بحق شعبي هيريرو وناما خلال الحقبة الاستعمارية، جاءت الانتقادات الكبيرة من ناميبيا لألمانيا، بسبب دعم هذه الأخيرة لإسرائيل.

يحتاج هذا العالم الغربي الصهيوني مدعي الرشد والصلاح والحرية إلى صفعات متتالية للاستيقاظ، ومع تذكير ألمانيا بماضيها مع "الإبادة الجماعية" التي اعترفت برلين بوقوعها في ناميبيا، ومجازر الحرب العالمية الأولى والثانية ومجازر الاستعمار، والتي تدفع فاتورتها شعوب الشرق الأوسط وأفريقيا، ومن هنا تجب محاكمة فرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا والكيان المحتل، فهم أساس الإرهاب والخراب.

أيها الإنسان المعاصر وأيها العربي.. إنَّ الاستمرار في العيش بذل دون رفع القهر والظلم عن أنفسكم سيغرقكم في المهانة ولن تستعيدوا عزتكم، وستُمرَّر المهانة والذِلة للأجيال اللاحقة، وسيصير الذل وكأنه طبع موروث ملازم لكم.

لا للانحطاط.. لا لاستسهال حياة الذل وإقرار الضيم عن قناعة.. ولا للجبن والجهل.. ولا تغرسوا في أجيالكم القادمة الرضا والهوان، فتتعذر عليهم العزة. لا للعبودية المدنية وعبودية المصطلحات الغربية، ولا لشرعنة وتبرير وقبول المجازر والإبادة الجماعية.

الصمت عمّا يحدث في غزة وأي دولة مستضعفة هو شرعنة وتبرير للقتل والترهيب والنهب للغرب، وهذا ما يحدث فعلًا بلا خجل، نشاهد مقاطع مصورة لمجندين فرنسيين وأمريكيين وبريطانيين ومرتزقة مأجورين بأموال دول كيانات وظيفية، فرحين منتشين بفعل القتل والذبح وكأنهم في حفل مبهج لتطهير عرقي وإبادة جماعية وقمع حريات لشعب أعزل. أهذه هي الحريات الغربية التي يتشدق بها وتصدرها دول تدعي الحرية؟!

إنَّ العالم الغربي والأمريكي سقط، ولم تعد أمريكا معيارًا ومثالًا للحريات، ولم يعد النظام العالمي نظامًا موثوقًا فيه ولا نظامًا آمنًا. القوى العظمى التي بُنيت فوق جثث السكان المحليين، لا تستحق أن تمتلك حق الكلمة في تقييم وتحديد من هو الإرهابي؛ بل يجب محاكمة تلك الأنظمة الفاشية وفق نظامها الذي تتباهى وتتشدق به.

وكما ساعدت الأغنية الأيقونة "تحيا فلسطين وتسقط الصهيونية" في توحيد هتافات الشعوب؛ فإنها بمثابة الجذوة الأولى المُبشِّرة برياح التغيير وشروق شمس الأمل في غد أفضل.