متواليات الأحلام.. والرؤيا!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"إن كان القليل من الأحلام قد يضر بنا؛ فالعلاج ليس بالتوقف عن الحلم؛ بل بأن نحلم أكثر وأكثر طوال الوقت" مارسيل بروست.

*****

يُحكى أنه في زاوية من زوايا إحدى القرى في بلاد بعيدة يقال إن اسمها  "السائلة"، جلست مجموعة قليلة من الرجال يتسامرون، ويتحدثون بكل شيء وأي شيء، بنفس الجلسة يبدأ الحديث عن التمر الخلاص وأفضل أنواعه، مرورا بأحاديث عن مستقبل بلدة السائلة، وأهمية تجديد سككها القديمة التي تطاير الحصى هو عنوانها، ووصولا للحديث عن تاريخ سوق الإبل والماشية، يتخلل تلك الأحاديث الملهمة بعض الشكاوى عن حموضة المعدة والبحث عن علاجات يسمع عنها في أقصى بلاد المغرب!

وفي إحدى الجلسات التي تملكتها أحاديث الأحلام، همس أحد الجالسين بأنه رأى حلمًا عجيبًا، استغرب منه ومن تفاصيله. سأله أحدهم وقال: لعله خير، لكن ما الحلم؟ قال: لقد كنت أنت معي (يقصد السائل) وكنَّا نناظر أحدهم لم نره منذ زمن بعيد، وحاولنا السلام عليه ولم نتمكن. استغرب السائل عن الحلم، وقال وكيف أتيت بي في حلم لا ناقة لي به ولا جمل؟! كان الرد من الحالم أنه حلم ولا يملك إدخال أو إخراج أي شخصية به، فقال له صاحبه: الله يرحم والديك اجعلني خارج الحلم!

كان الرد المنطقي، أنه حلم وليس حقيقة، وأن الحلم حدث، لكنه بقي في إطاره كحلم وليس كحقيقة، فتدخل أحد الحاضرين ممن كانوا يستمعون لحديث الحلم، هنا قمت بالبحث عن عبارات مُعبرة عن الأحلام فوجدت عبارات للأديب الفرنسي الراحل ألكسندر دوما: "عِندما تُقارن مآسي الحياة الواقعية بالحياة الخيالية، لن ترغب في عيش الواقع مرة، سوف تتمنى لو أنك تستطيع أن تستغرق في الأحلام للأبد".

ومن خلال تتبع الأحداث تبين صحة الحلم، وأن حيثيات الحلم قد أتت ثمارها، وهنا أصبحت الجلسة في هذه الزاوية تتحدث عن صحة الحلم، ومدى تأثير الأحلام في تغيير خارطة موارد وسلاسل الإمداد اللوجستية في العالم، وكذلك اعتبار الأحلام جزءًا من القوة الناعمة للفت الأنظار نحو التمر الخلاص والمقارنة بين التمر القصيمي والحساوي، وحتى وصلت المقارنة بين أفضل الحمير (أجلكم الله) الناقلة للناس ما بين سكك وأزقة المنطقة العتيقة!

هنا أتحدث عن الأحلام والرؤيا، ولا أعلم بكثير عن مسائلها الشرعية المختصة بتفسير الأحلام وتعبير الرؤيا، وإن كنت أقرأ عن أحد أشهر المفسرين لها في تاريخ العرب ابن سيرين حيث قرأت له : أنّ قوماً تركوا العلم واتخذوا محاريب فصلّوا وصاموا بغير علم، والله ما عمل أحدٌ بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يُصلح. لكننا هنا وبعيدا عن حلم الزاوية في السائلة، وعن نقاشات الجلساء حول الحلم وتتابعاته الإقليمية وتأثيراته الدولية، وعن عبارات وكلمات أكسندر دوما وابن سيرين، نتساءل هل كل حلماً يمكن أن يصبح عِلمًا؟

 

الحلم هو في اليقظة أمل وطموح لأمر ما، فأحلام البشر وهو يقظين قطعا تختلف عن أحلام النوم ورؤياه، ولا أعلم ما الرابط بين حلم النوم وحلم اليقظة، الواضح أن هناك أحلامًا بالمنام يستحيل تحقيقها في أوقات الصحو، فهل هذا هو سبب صفة الأمل والطموح بأنه حلم؟

هل الصباح يستمر أم يجر الليل أذياله، ويتمكن من فرض المساء، هناك من يؤكد أن الصباح والليل من تأكيدية الأوضاع الكونية، إنما هل حلم الصباح هو صباح بالفعل، أم تتمكن منه المساءات ذات الدروب المعتمة؟