فلسطين في قلب الشعب والوطن

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

لا شك أن قدسية فلسطين في الوجدان العُماني قضية محسومة، وقد تجلت مكانتها في هذه اللحظة التاريخية الصعبة بصورة واضحة لا لبس فيها أو غموض، وحيث إن دعم شعبها العظيم ليس واجبًا وطنيًا وقوميًا ودينيًا فحسب، بل وأخلاقيًا وإنسانيًا، فإنه انتصار لقيم الحق والعدل والحرية وبالمعنى العميق انتصار للذات قبل أن يكون انتصارًا للآخر.

من المؤكد أن للوقفة النوعية الحالية وتظهيرها بهذا الشكل الرائع أسبابًا، فما هي؟

بعيدًا عن السردية الجاهزة ودون التقليل من قيمة الجماهير وتعطشها في تحمل مسؤولياتها التاريخية، فإن الأمر يتوقف على معطيات محددة راهنة مكنتها من التعبير عن مكنوناتها العاطفية الصادقة والتي تحولت إلى طوفان شعبي عارم وهي حالة غير مسبوقة في حجم التفاعل والمساندة السياسية والإعلامية لدرجة حجب صحفة "جريدة الرؤية" على منصة إنستجرام، لدورها الفعّال في هذه المعركة الإعلامية.

وسنحاول قدر الإمكان تحليل هذه الظاهرة وإرجاعها إلى أسبابها الحقيقة والإضاءة على بعض العوامل المهمة التي بلورت هذا الموقف الاستثنائي.

العامل الأول: موضوعي بحت، يُعبِّر في جوهره عن الفطرة السوية ويتقاطع مع الضمير البشري الحي الذي أيقظه حجم الكارثة والإبادة الجماعية. هذا الفعل الإجرامي الفاشي أستفز المشاعر الإنسانية المجردة، وبالطبع فإن هذ الغليان الأممي الواسع والمظاهرات المليونية التي أغرقت معظم العواصم العالمية لم تحركها روابط قومية أو دينية أو تأييد لخط سياسي معين. وما كان لها على الصعيد الوطني أن تنعكس بهذا الوضوح لولا استنادها لحاضنة سياسية وطنية داخلية ويمكن إيجازها بعنصرين مباشرين؛ الأول: متصل بطبيعة التحولات في الواقع الاجتماعي ترجم في بعده الخارجي بسلسلة مواقف متقدمة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفر أرضية موضوعية مناسبة.

وإذا كان الشيء بالشيء يقاس، فإنها بالضرورة خطوة إيجابية ستراكم رصيدًا اجتماعيًا شعبيًا؛ حيث إن القضية الفلسطينية كانت ولا زالت وستبقى، عنوانَ نضالات داخلية على المستوى العربي.

العامل الثاني، ويتمثل في الهامش النسبي الملحوظ من حرية الرأي والتعبير وغير المقيدة تجاه القضية الفلسطينية، هذه المستجدات مكنت الجماهير من الإفساح عن قناعاتها وأرائيها بشكل طليق دون أية محاذير. وهذا ينقلنا إلى دور الأنظمة السياسية من ناحية والجماهير من ناحية أخرى في عملية التعبئة الاجتماعية، وتحديد مسارات التقدم والتراجع واستنفار الطاقات والإمكانات الكبيرة المختزنة، وتوجيهها نحو الغايات النبيلة. وإذا كانت العلاقة بين السُلطة- أية سُلطة- والمجتمع علاقة جدلية مركبة، تأثرًا وتأثيرًا، فإن عدم وجود الأطر المنظِّمة يُعلي على الدوام من دور السلطة السياسية ومواقفها، ومنه تتلمس الحالة الشعبية طريقها واتجاهها.

وحتى نعزز هذا الرأي يكفي الرجوع قليلا للخلف والحافظة الذهنية تغني عن التوسع، ودون الانتقاص من الظرف الموضوعي الضاغط ودور الإعلام وسائله المتنوعة في تجييش الرأي العام وهي ظاهرة عالمية بارزة ولا يمكن الحد من تأثيرها سلبًا وإيجابًا، فمن الطبيعي أن توظف في إبراز القناعات والاختيارات والانحيازات السياسية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن اعتبار هذا الموقف الشعبي الرافض للكيان الصهيوني والمتخندق بشكل مطلق مع النضال الوطني الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير بمثابة استفتاء مسبق حول مسألة التطبيع، وخصوصًا بعد حديث سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية سيئ الصيت الذي ما زال يثير قلقًا وطنيًا؟

هذا ليس سؤالًا افتراضيًا ولا سابقًا لأوانه أو استباقًا للأحداث؛ حيث إن التطبيع الأحادي والجماعي مُدرج ضمن السيناريوهات المطروحة في الأروقة السياسية الإقليمية والدولية، وما يُتداول إعلاميًا حول سيناريوهات "اليوم التالي" ليس حديثًا عبثيًا عابرًا، وليس مقتصرًا على الشأن الفلسطيني، ولا مجرد بالونات اختبار؛ إذ لم يعد في جُعبة النظم العربية مفاجآت يمكن استطلاعها؛ حيث يراد إحياء مبادرة السلام العربية والمسار التطبيعي الثنائي، واعتبارهما خيارًا وحيدًا أمام الأمة العربية رغم كل التضحيات!

وأظن أن مضمون ما يُتداول لا يحمل معنى آخر؛ فالولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس للاحتلال الإسرائيلي والتي تمسك بمفاصل القرارات الاستراتيجية، تُدرك أكثر من أي وقت مضى حاجتها للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، وعدم توسيع رقعة المواجهة، ومخاطر تبعاتها معنية في هذه الفترة بالذات بتحقيق هدفين؛ أحدهما: ترميم صورتها البشعة أمام الرأي العام العربي والعالمي، والآخر إتمام المبادرة المرتقبة على تخوم منابع الطاقة والممرات الاستراتيجية (المسار الاقتصادي)، والتي كانت قاب قوسين أو أدنى من بدء العدوان الصهيوني الإمبريالي على الشعب الفلسطيني، بحيث تتفرغ لما هو أهم بالنسبة لها؛ بما يُبقيها كقوة أولى على رأس النظام العالمي.

ومن غير المستبعد أن تدفع بهذه الخيارات إلى مقدمة الأولويات في الأيام المقبلة.

الأكثر قراءة