حقوق وآمال مُرحّلة للعام الجديد 2024

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

تفصلُنا سويعات عن العام الجديد 2024، ومن عادة الإنسان في هذا الكون، أن يتطلع إلى استقراء المستقبل على أمل أن يُطوِّر من ذاته ويعمل على تحسين أوضاعه المعيشية وتحويل البيئة المحيطة به إلى الأفضل؛ لأن سنوات العمر تمضي بنا سريعًا ولم نصل بعد إلى تحقيق الأهداف والآمال التي رسمناها لأنفسنا منذ البدايات الأولى لقدومنا إلى الحياة.

الإنسان مِنّا لا يملك قرار قدومه إلى هذه الدنيا؛ فهو مُسيّر وليس مُخيَّر في هذا الجانب الذي يبدو عند مُعظم الناس أنه صعب ومُحيِّر، ونستغرب في بعض الأحيان ونلوم التحديات التي تواجهنا يوميًا وتمنعنا من تحقيق ما نصبو إليه ونتمناه. وفي واقع الأمر ربما نكون نحن سببًا في تلك المُعوٍّقات دون أن نعلم ذلك، لكوننا من يفترض أن يُقرر ويُخطط ويُنفِّذ ما يمكن أن نعتبره المستقبل المشرق ومشروع العمر الذي يُعد جواز سفر لسعادتنا في الدنيا والآخرة؛ فالذين نعيش معاهم باختيارنا مثل الأصدقاء أو الأهل والأقارب الذين قُدِّر لنا أن نتقاسم معهم أقدار الدهر وظروف الحياة بخيرها وشرها وحلاوتها ومرها، هم الشركاء الذين يوجِّهون ويصنعون بوصلة إنجازتنا نحو المستقبل، ولكن قد يتسببون أيضًا في كثير من الأحيان في تعاستنا وعدم نجاحنا، وذلك بسبب الاتكالية على الغير والخوف والقلق وعدم وجود تفكير إيجابي ومنطقي خارج الصندوق.

من هنا يجب علينا أن نكون على إطلاع وإدارك للواقع الذي نعيشه ثم نستنتج الحقائق والعِبَر ونتعلم الدروس لكي نرسم مسارًا جديدًا لمستقبلنا الذي نريد. وليس بالضروة هنا أن نقلِّد الآخرين أو نتبع الأصدقاء الذين نعرفهم، خاصةً في ما تحقق لهؤلاء من أهداف، فكل إنسان يجب أن يعيش حياته الخاصة التي ليست بالضرورة تشبه وتتقاطع مع الآخرين من الأهل والأصدقاء؛ فالاختلاف بين الناس وارد ومُستحسَن، فلكل فرد له خصوصيته وذوقه وأحلامه مثل بصمات الأصابع فالاختلاف رحمة وميزة تجعل من هذا التنوع سر النجاح.

صحيحٌ أن هناك خططًا استراتيجية وسياسات تعليمية تضعها الوزارات المختصة بالعمل والفرص المتاحة في معظم دول العالم المُتطوِّر، وذلك لربط المخرجات بالوظائف المتوفِّرة تُعرف بـ"التعليم من أجل السوق"، ولكن تأكد لنا هنا في السلطنة وجود فجوة كبيرة بين ما يُدرَّس بالمؤسسات التعليمية وسوق العمل؛ فمعظم الوظائف العليا في الشركات والجامعات العمانية يشغلها أجانب، على الرغم من وجود كوادر عُمانية تحمل شهادات أعلى من شهادات الذين يعملون في تلك القطاعات المذكورة، والسبب المعلن هو عدم وجود مهارات وخبرات وطنية تتولى تلك الوظائف التي تقدر بالآلاف في هذا البلد!! ما يؤكد أن سياسة الإحلال تواجه تحديات ومعوقات لا تنتهي.   

وهكذا تدور عجلة الزمن وينطلق بنا قطار العمر إلى الأمام، فإذا نظرنا إلى الخلف نرى بعض الملفات الساخنة لم تتوفر لها الإمكانيات المطلوبة لتحقيق طموحات الشباب الذين هم ثروة الوطن ومستقبلها الواعد، على الرغم من تحسُّن الأوضاع الاقتصادية في البلاد والسيطرة على المديونية العامة للدولة وانخفاضها بشكل قياسي خلال السنوات الأخيرة بفضل من الله والقيادة الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي تولّى شخصيًا هذا الملف مُنذ توليه مقاليد الحكم. كما إن موازنة الدولة قد سجّلت فوائض تقدر بمئات الملايين.

وعلى الرغم من ذلك كله؛ هناك طابور طويل من الباحثين عن عمل يُقدَّر بعشرات الآلاف الذين يحملون شهادات جامعية وعُليا وثانوية منذ عقود، وأعرف- شخصيًا- بعض الحالات التي تعود لعام 2009، ولم يُكتب لها النجاح في الحصول على وظيفة حتى الآن. ومن المفارقات العجيبة أن يتم استبعاد هؤلاء الفئة من منظومة الحماية الاجتماعية، على الرغم من أنهم الأكثر استحقاقًا؛ نظرًا لظروفهم وجهادهم في سبيل العلم لسنوات طويلة. صحيحٌ أننا نُثمِّن منظومة الحماية الاجتماعية التي تهدف إلى توفير مظلة اجتماعية واقتصادية للمجتمع العُماني بمختلف شرائحه، بداية من العام الجديد 2024، لكن استبعاد الباحثين عن عمل من هذه المظلة غير منطقي، وسوف تُفضي مثل هذه السياسات غير المدروسة إلى آثار اجتماعية ونفسية خطيرة على المجتمع العماني.

أتذكرُ لقاءً جمعني بأحد المسؤولين عن منظومة الحماية الاجتماعية خلال فترة تأسيس هذا الصرح الوطني الذي ينطلق من سياسة الحكومة الرشيدة بتحقيق الرفاهية والامن الاجتماعي للجميع في هذا الوطن العزيز، فقد طرحتُ عليه السؤال مُستنكرًا، استبعاد الشباب العاطل من تلك المظلة؟ فقد كانت إجابة المسؤول صادمة وغير مُقنعة؛ إذ قال "بحثنا في العديد من دول العالم ولم نجد من يصرف مساعدات لأكثر من بضعة اشهر لمثل تلك الفئة من الشباب". فكان ردِّي هو أن الدول المذكورة توفر وظائف عاجلة لمواطنيها خلال سنوات قليلة، وذلك عكس الأوضاع الموجودة هنا في السلطنة. هنا أدركتُ بما لا يجعل مجالًا للشك، أننا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في المنهجية التي تُتَخذ فيها بعض القرارات المُهمة التي تفتقدُ إلى الدراسات الواقعية، وكذلك إلى المنطق وحقوق بعض أفراد المجتمع. كما إن نزيف التسريح المُمنهج مُستمرٌ في شركات القطاع الخاص، دون رقابة من أي جهة كانت، ولعل ما تابعناه قبل عدة أسابيع والمتمثل بتسريح 18 موظفا عمانيا في المنطقة الحرة بصلالة خير دليل على هذه القرارات التعسفية.

وفي الختام.. نقترحُ من هذا المنبر الإعلامي، أن يتم تضمين الباحثين عن عمل في المظلة الاجتماعية الجديدة، وأن يُمنح الخريجون إعانة مالية شهرية مقدارها 250 ريالًا عمانيًا؛ لكي يعُم الخير وتُرفف أجنحة السعادة على جميع أبناء الوطن، في هذا العهد الزاهر الذي يقوده بحكمة واقتدار سُلطان الحكمة والعطاء جلالة السلطان هيثم المفدّى، ونأمل أن يكون ذلك اعتبارًا من 11 يناير 2024؛ هذا اليوم التاريخي للعهد السعيد.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري