المقاومة الفلسطينية

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

نشد الوقت بأحداثه التي وصلت إليه، لا نريد له انتهاء، الحدث الذي يمثل لنا انتصارًا وقيمة ولو معنوية تمدنا بموفور الطمأنينة والهدوء، هذه الأحداث نبتغي لها الدوام في صيغها المعتادة أو في تداولاتها المتشعبة، أو في ربطها بمواضيع سابقة مشابهة أو لاحقة يكون لها نفس المآل والنتيجة.  

أحداث سعيدة نبتغي لها التكرار أو تُمَدُّ هي هي نفسها لتبدو أحداثا أخرى أقوى وأكثر تأثيرا عن سابقاتها، فعلى مستوى المجتمع يأمل الفرد أن تحيط به السعادة وتُحل المشاكل والخطوب بشكل متواتر، هذه هي الطبيعة الإنسانية الرامية للعيش دون مغبة أو انتهاء لما يحيط بها من فرح.

يقول الكاتب الروسي أنطون تشيخوف: "الإنسان هو خالق سعادته، وبوسعكم لو أردتم أن تصبحوا سعداء ولكنكم لا تريدون، أنتم تهربون من السعادة بإصرار"، ولعل حديث تشيخوف هنا مرتبط بالأشياء العامة التي يشترك بها الإنسان في جميع أنحاء العالم، كالعيش والأبناء والعمل والحياة العادية المستقرة والحالة المادية، لكنه لم يتصور النقيض أبدا بين الإنسان ونفسه، فالأفكار منبع للسعادة أيضا، لأن ما يسعدني ليس بالضرورة يسعد شخصا آخر، هي مآلات نفسية ليس لها مجال واسع للحديث هنا.

لكن من باب عام تدخل السعادة قدرنا بتفكيرنا وبالمعتقدات التي تسيّر حياتنا بشكل عام، فالمحاسب تشده الأرقام ويكون سعيدا لو وصلت أرباح مؤسسته لأرقام كبيرة لأن شيئاً منها سيؤول إليه، في حين لن يمثل له عكس هذا المآل سوى التذمر وعدم الرضا، وهكذا كل يعمل على حسب الفائدة التي يجنيها، وهذه حقيقة.

تمثل الحروب بؤسًا للجميع وقتامة لا نريد لها أن تبقى، يشعر المرء بانتمائه لهذا الجو الإنساني حينما تضع الحرب أوزارها، الكل يشعر بالسعادة تقريبا، هي غاية الغايات وأكملها في نفسه لكن مع ذلك يرجو أن تكون خسائره توازي أرباحه على أقل تقدير، أو أن يربح حربه التي تعنيه، فالذي مع القضية الفلسطينية وأحقيتها يأمل تصوير المقاومة كطرف رابح رغم الإمكانات والعتاد المتواضع مقارنة بالعدو، فيحاول تصوير أي ملمح صغير أو كبير على أن تأثيره يمتد امتدادا هائلا خصوصا والأخبار المتداولة عن تخبط الحكومة في إسرائيل أصبح ظاهرا ويعلمه القاصي والداني، ويحاول التشبث بما يسمعه ويراه بشكل إيجابي، ويصبه في خانة المقاومة، هذا نوع من محاولة تمدد السعادة لدى هذا الطرف، أما الطرف الإسرائيلي المناوئ فيعيش سعادة أخرى من خلال التدمير الذي تحدثه طائرات جيشه على المدنيين لأنه ينظر إلى الجميع بنظرة واحدة ويعمل عقله ضمن اعتقاده بتعاليم توراته المحرفة، الدمار والخراب وتعذيب الأسرى وقطع الكهرباء والماء وهدم المنازل والمدارس ودور العبادة والمؤسسات المدنية سعادة غامرة وانتصار صارخ بالنسبة إليه.

لذا فوقوع أي أسير اسرائيلي لدى المقاومة نعتبره سعادة ومكسبًا ماديًا في المعركة، وطبعًا في الجانب الآخر يعتبرونه مهينًا وقاسيًا على الأسير ويرون ذلك فرصة للنيل منه والتنكيل به وتعذيبه وتجويعه وقطع الكهرباء عنه وإرهابه، هذه العقلية هي التي تسيطر على الطرف في الجانب الآخر، ويمثل لهم أسر عناصر المقاومة أو أي مواطن فلسطيني صيدًا ثمينًا ووسيلة للانتقام، وهي فرصة أيضا لإبداء السعادة.

مع ذلك، فإن النظرة لما ستؤول إليه أحوال الأسرى لدى المقاومة، وبيان عكس تلك الأقوال يعتبر ربحا مركبا للمقاومة، ففي حين يشعر بالسعادة مجموعة من الأفراد العاديين لسلامة أسراهم كما يصيب الذهول البعض ممن يسمع شهادات الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم، وتشاغله بعض التساؤلات حول الاستراتيجية التي يتبعها المقاومون في غزة، خصوصا أولئك الذي نظروا للأمر في بدايته أن تصرفاتهم الجيدة مع الأسرى تعتبر خوفا وجبنا من الجيش الإسرائيلي المهيب.

المقاومة الغزاوية ساهمت بشكل كبير في هذا الربح المركب من خلال التصرفات الحضارية مع الأسرى في مقابل التصرفات الهمجية من قبل الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين، وكذلك من خلال السلوك المتزن مع حوادث الموت والدمار التي يتعرض لها الفلسطينيون في مقابل اختلاق الذرائع والتبريرات التي اتضح كذبها فيما بعد.  

ولأنَّ الغربي يبحث عن السعادة فقد استثاره سلوك التحضر الفلسطيني، ولأنه أيضاً يعاني من التخبط والتشتت الفكري، فقد وجد آلاف منهم القرآن ملاذا وملجأ للإجابة عن الأسئلة التي تراودهم، ثم دخل بعضهم في الإسلام ويفكر آخرون في الدخول إليه حسب الفيديوهات المترجمة التي انتشرت في السوشال ميديا، وهذا الأمر حدث على مستوى الشباب في أوروبا وأمريكا أكثر المؤيدين لإسرائيل في حربها ضد المقاومة، ثم تغيرت نظرتهم لموضوع فلسطين كفائدة أخرى؛ فاعتبروه دفاعًا عن حق مشروع لاحتلال غاشم يهدد الوجود البشري ويعيد النازية والماسونية للواجهة.

السعادة التي قدمها الفلسطينيون لأكثر من عشرين ألفًا ممن دخلوا الإسلام بفرنسا في شهرين منذ اندلاع حرب غزة وفقاً لحديث الإعلامي في قناة الجزيرة أحمد منصور مع عبدالله بن منصور رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا لا تعادلها قيمة معنوية أخرى؛ حيث يقول: "لم نشهد في فرنسا طيلة 40 عامًا إقبالًا على الدخول في الإسلام لا سيّما من فئة الشباب والفتيان الفرنسيين كما نراه الآن منذ حرب غزة، فقد ارتفعت الأعداد الرسمية للمسلمين الجدد من 80 في اليوم إلى 400 في بعض الأحيان، ولا يقل العدد عن ثلاثمائة مسلم فرنسي جديد كل يوم"، وهذا مؤشر جيد ونجاح كبير قدمته المقاومة للعالم.

والسؤال كم مجتمع تم احتلاله في العالم ويحتاج إلى مقاومة ليدخل البشر غير المسلمين إلى الإسلام، وكيف نوزع سعاداتنا على باقي البشر؟ بل كيف نمد من سعاداتنا لتبقى زمنا طويلا، كما يطمح تشيخوف؟         

تعليق عبر الفيس بوك