على الدرجة السياحية!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

"حُسن الصورة جمال ظاهر، وحُسن العقل جمال باطن" ديفيد هيوم.

****

عندما يُقرر أحدٌ ما السفر جوًا، بالطبع سيكون أول إجراءات السفر حجز التذكرة، هنا سيكون الوضع المالي- في غالب الأحوال- هو العنوان الرئيسي، والناس أنواع والاختلافات في إمكانياتهم طبيعي، والدارج أن الكثير ممن يختارون الدرجة السياحية هم من عامة الشعب، ممن لا يفكِّر البتة في موضوع اختيار نوع تذكرة السفر؛ فالأمر محسوم في السياحية أو حتى الدرجة الاقتصادية، كما تكتبها بعض لوائح شركات الطيران، ولا شك أن من يسافر على السياحية أو الاقتصادية ممن ليس لهم لا في الطور ولا الطحين، ولا لهم ناقة ولا جمل في تحديد سياسات أو تقديم خطط إقتصادية، ولاتعتقد إنهم جزء من خطط التنمية المستدامة- إلا من رحم الله- بشر عاديون جدًا.

لذا فالسفر على الدرجة السياحية يمثل إنجازًا جيدًا؛ بل إن السفر لوحده إنجازٌ، ولا تسأل هذا المواطن البسيط عن درجته طائرًا، غير الدرجة السياحية!

ما مميزات الدرجة السياحية؟ سؤال يبدر على شفاة أي مواطن من الطبقة العادية، أول ميزة إنك ستسافر، أساسًا السفر لوحده إنجاز، حتى لو كان الكرسي بجانب صندوق أمتعة الطائرة، وبالطبع لا أعلم هل في الطائرة صندوق أمتعة أم لا. تحدثنا عن أهل الدرجة السياحية أو ما ينطقها البعض كعلامة على الثقافة العالية "Economy Class"، وهم غالبًا من الطيبين الذين لا ناقة لهم في أمور الدنيا ولا جمل، يستلم الراتب وثم يصرفه وبانتظار الراتب القادم، أو قُل يدفع إيجار السكن اليوم وينتظر الشهر القادم ليدفع الإيجار، والمفارقة أنك إن دفعت إيجار السكن اليوم؛ فالأيام تجري بسرعة البرق وبعد ساعتين سيحل إيجار الشهر القادم (طبعًا كمبالغة في الوصف!) تخيل معي لو أن من سيعاني من دفع الإيجار سيركب الدرجة الاولى أو درجة رجال الأعمال، ما الذي سيحدث؟

الطموح للأفضل اعتبره فرضًا على أي إنسان قادر، أما المضطر- يا صاحبي- أعانه الله سيركب الصعب، والإنسان لما يعيش بسجيته وطبيعته، أفضل حالًا ممن يتصنع وضعًا أعلى منه. يا أخي جمالك وروعتك عندما تكن أنت كما أنت، ما أجملك وأنت نائم قرير العين على كرسي الدرجة السياحية، ووجبة من المضيفة المِضيافة كل ثلاث ساعات في رحلة طويلة أمر ممتاز، ولا أن تركب كرسي الدرجة الأولى وطوال الرحلة تفكر في الفاتورة الباهظة التي دفعتها، وممكن أنك دفعتها عبر بطاقة ائتمانية ستبتلع راتبك القادم، وتخيل أنه رغم طقم المنظفات ذات الماركات الفخمة والحلويات الشهية على متن الدرجة الأولى، والوجبات اللذيذة المتنوعة، لكن يشغل تفكيرك سؤال: من سيقرضك مبلغًا يجعلك "تمشِّي حالك" عندما تعود من السفر؟

السفر على الدرجة الاولى كان باهظ السعر، واستنزف مقدراتك، وعلى النقيض ممن ركب السياحية- وأحترم وضعه- ومد الرجل على قد اللحاف كما يقول المثل الشائع.

صدقني كلٌ ومقدرته، في السياسة.. في الاقتصاد.. في الثقافة.. حتى في كرة القدم! لا تضع نفسك في مكان ليس مكانك، ولا تعيب ذلك على نفسك، لك احترامك وقدرك وتقديرك.. اطمح وغيّر حياتك بشكل مشروع، لكن لا تتصنع وضعا ليس بوضعك، وصدقني هناك من يصل لقمة ما، لكنه خسر أمورًا غالية جًدا؛ لأنه ضحّى بأمور اغلى من القمة ذاتها.

صدقني أن تركب الدرجة السياحية ورأسك مرفوع أفضل بمليون مرة من ركوب الدرجة الأولى والتمتع بالبريستيج وأنت لا تملك كرامة، او حتى وأنت مغلوب على أمرك.

قال تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ" (آل عمران: 8).