طُوفان الأقصى بداية لعالم تسوده الحرية

د. قاسم بن محمد الصالحي

في السابع من أكتوبر 2023م، عاد بنا الزمن إلى تحرير الأوطان من الاستعمار حيث تمنينا يومًا أن يندمج ظل البلدان العربية بخيال الأخرى إلى درجة الامِّحاء، وأن تكون أجساد الشعوب الملتهبة هي التي دمجت وبقيت مُدمجة إلى الأبد، فقد أتت الانتكاسات التي تعرضت لها الأمة في مرحلة النضوج، بفكر يُمكن التعبير عنه بأطروحة من مواجهة الأعداء في ساحة النضال بالدماء والأرواح، وصولًا إلى الانعتاق من المحتل سيد النظام الدولي وأسيره.

الآن نشهد معركة طوفان الأقصى التي تمثل حرية الأمة في غزة، في موعد مع تحرير الأرض، الذي تتذكره الأمة في عبور أشلاء أطفال ونساء وشيوخ فلسطين رافضة العيش مع المحتل، قبل أن يضيق المكان فيها بالحزن المتأبط للآلام مع وجود الصهاينة المغتصبين، وهكذا دواليك عناوين النضال العربي إذا أفردت ودمجت بتسلسل غير محدد للأحداث التي تعاني منها الأمة، يمكن أن نؤلف مجلدات من الكتب والمقالات.

لكن الكتابة في حدث زماننا ذات عناوين تحمل شيئًا مقدسًا، فلأكُن أنا، وأنا الكاتب لما يحدث في غزة، بنكهة إيمانية خاصة لأنه عقدي تأملي فكري، يصلح لأن يكون مدخلًا إلى كل فلسفة دينية اجتماعية ثقافية أدبية واندماجية مع الإيمان بحرية الإنسان لنيل حقوقه، فيه أولوية للفعل التحرري، أولوية إنسانية وأفضلية الدخول إلى مآسي فلسطين بواسطة الضمير الذي يسكن قلوب الأحرار.

مقال فيه دعاء وأمل رغم انفلاش ثقافة الفيسبوك، مقال يدعو إلى الخروج من قضبان المرارة إلى صوت ينادي بالشهادات الروحية مع رحلة الإنسانية لنتلاقى مع الألق الذي يزرع الغفران في أوطاننا، النصح بالغوص في حال أمتنا العربية نابع من ضمير مانح جنان المعاني بعد ضياعه وتكسر أدواته، كي لا تهرب النخوة العروبية من قفصها وفكرها من مراتعه، لتسمو ساحاتها المتيقظة فوق تلال نضالها لحين افتراشها بساط الحرية.

نحن في شتاء غزة الساخن بأرواح الشهداء، وقد فاجأ المخاض ذوي القربى والأعداء، وكانت القضية يومها مركونة في أدراج التجاذبات السياسية وكادت القوى الاستعمارية أن تطوي صفحتها وتلبسها ثوب النسيان، لكن ولادة كي الوعي تعسرت عند المحتل، وأبى المقاومون إلا أن يقفزوا بملف القضية إلى مقدمة الأحداث وأشرفوا على ولادة الحرية، ولشدة امتنانهم، قرروا أن يطلقوا على الحرية اسمًا مركبًا: طوفان الأقصى، وتعرفون تتمة القصة، عظم الطوفان وعظمت أهواله، وحاز للعرب الأهمية والمكان الذي يجب أن يكونوا فيه على الساحة الإقليمية والدولية.

عدت بذاكرة الأحداث إلى الوراء، بينها حدث ظننته مغنمًا ربحه العرب من العدو المغتصب لفلسطين، ثم قمت بترتيب غنيمتي فإذا بالحدث أقصى ما يمكن القول عنه إنه لم يحرر الأرض من المغتصب، وكان حالة ولادة متعسرة، وقصة نضال لا تنافسها سردية أخرى في زمانها، لكنها لا تقل عن تجارب النضال التي خاضتها شعوب الأمة لنيل استقلالها وحريتها.

كيف لا تتفتح أشرعة الخيال أمامي وقد شاء لي القدر أن أشهد معجزة ولادة حرية أوجاعها تنقلب زغاريد، وأقرأ آلاف المرات عن تاريخ أكثر من نصف قرن، إن من يطالع التاريخ يتأكد من أنه لو سقط من سلّة الحرية يتلقفه النضال، فمنذ عام 1948م، امتد النضال إلى زماننا هذا، فلم تترك الشعوب العربية حقها وحريتها، من يوم النكبة حتى معركة طوفان الأقصى المطالبة بالحرية لفلسطين، فإذا لم يجده راح يفك أبواب استرجاعها بالوسائل كافة، فقد كان الشعب العربي الفلسطيني، ولازال، سائرًا في طريق استرجاع حقه المسلوب.

رغم التضحيات والعثرات، نجحت المقاومة في مواصلة المسيرة التي يسطر رجالها البطولات تلو البطولات في كل أرض فلسطين، فأنتبه العالم الحر إلى حقوق الشعب المظلوم، وتبنى مظلوميته، ولما تكشفت الحقيقة، نادى بالحرية لغزة، وإعادة الحق للفلسطينيين، وبعالم جديد تسوده العدالة والحرية.

تعليق عبر الفيس بوك