الأمة الإسلامية ووحدة الصف

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

عانت الأمة العربية والإسلامية الكثير من الانكسارات والخيانات في صفوفها ومن أذرع المنافقين التي تمتد إلى عمق استراتيجياتها في مشاهد متكررة طغت عليها تلك النفوس المريضة التي تدار من قبل مجموعة من هذه الأذرع؛ وهي تقف وراء كل عمل من شأنه إعادة صياغة مواقف الدول الإسلامية المتأرجحة بين سياسة الانبطاح والتطبيع وبين القوة الإيمانية الفاعلة والقرارات السيادية النافذة.

كل ذلك فيما يتعلق بقضايا الأمة المصيريّة ومنظومتها الدينية والتشريعية والتي من شأنها تعزيز مكانتها وقدراتها الذاتية ومحاولة إعادة بناء حضارتها وانتشالها من بؤر الفساد الأخلاقي وما يحاك ضدها بشكل أو بآخر، من أجل أن تبقى مهزومة ومكبلة داخل تلك الدوائر المغلقة نتيجة تصرفات وإنحراف البعض ممن كان يفترض أن تأخذه الحمية الإيمانية ويفرض نفسه ليكون بديلًا إستراتيجيًا يعول عليه في بناء مستقبل هذه الأمة.

لكنه بالرغم من تلكم العوامل والخطوط الواضحة ومساراتها التي تحددت آفاقها وهيكلتها حسبما أراده الله لها لتكون حاضنة لما يحقق أهدافها وغاياتها وصولا بها إلى ذلك المستوى الأصيل والرفيع الذي تتشكل من خلاله قواعد ومرتكزات الفطرة السليمة وفقًا لمنهج خالقنا سبحانه وتعالى وشريعته السمحة، وبالرغم من المساعي الإيجابية التي تبذل بين وقت وآخر من قبل بعض الأطراف المخلصة من داخل المحيط الإسلامي، إلّا أن لغة الكراهية والتطرف تبقى ذات تأثير سلبي في الحياة المجتمعيّة؛ حيث إنها تعتمد على نقل تلك الصورة المشوهة والباهتة عبر قنواتها الخاصة ونظرتها الضيقة ويبقى وضعها مُخيفًا إلى حد التذمر والاحتقان الذي لا تحمد عقباه ويبقى إيمانها بقضاياها هشا ليس له ثوابت عقدية ويبقى سلوكها خاضعا لمتغيرات سلوك وأخلاقيات الآخرين.

وعندما يتفحص الإنسان ويدقق في حيثيات المواقف التي تتخذها الأمة تجاه هذه القضايا يجد من أنها تتعرض لفلترة من قبل أعدائها وهي مستوحاه بشكل مباشر من قبل تلك الأنظمة التي تسيطر على مجمل تحركات الدول الإسلامية لكي تفرض عليها إملاءاتها وقرراتها لا تفلت من قبضتها وتكون لها مواقف سياسية مستقلة خارجة عن تعليماتها وهيمنتها وهو أمر في غاية الخطورة من عدة جوانب ومن بينها تعميق الخلافات بين هذه الدول وإثارة القلاقل والنزاعات والفتن ما ظهر منها وما بطن.

وبذلك أصبح الإسلام عرضة لانتهاك حقوقة ومحاربة مبادئه وقيمه وثوابته، بالإضافة إلى استهداف المسلمين بشتى الطرق والوسائل الدخيلة التي لا تليق بسلوكهم وأخلاقياتهم بعد ما كانوا يشكلون قوة كبرى لصد أي عدوان خارجي، وقد أخذوا على عاتقهم تحمل مسؤولية إقامة العدل والمساواة وبث روح التسامح والعمل بمقتضيات شريعة الخالق جلت قدرته، في مقابل تطهير الأرض من الفساد والمفسدين والظلم والظالمين واحترام حقوق الإنسان في مختلف جوانب الحياة.

إن التطورات الأخيرة وما يشهده العالم من تطهير عرقي ومجازر وحشية وإبادة جماعية وسفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء وكبار السن، بالأفعال المشينة والهمجية والعنجهية العنصرية دون وجه حق، وتوصيف المقاومات المشروعة ضد الاحتلال، بالإرهاب في غطاء علني لما تقوم به الصهيونية وأعوانها، من مخالفات واضحة وجلية للقيم الأخلاقية وانتهاك حقوق الإنسان، فالدول الإسلامية بمنظومتها الحالية تفتقر إلى نظرة شاملة وواعية ودراسة معمقة للتطورات والأحداث الراهنة حتى تعيد هيكلتها وتقيّم مصالحها وتنظّم علاقاتها وتضع لنفسها خارطة طريق واضحة ومستقلة ترتكز على سياسات متحررة وقائمة بذاتها، وثقة ببنية بين أطرافها تتبنى مشروعا وحدويا لمواجهة تلك التحديات والتداعيات التي تفرض عليها من خارج مكوناتها الدينية والسياسية والاقتصادية، فإياكم والاتكالية وإياكم وسياسة الانبطاح، فعدوكم يتربص بكم الدوائر وينتهك حقوق أمتكم ويقتل إخوانكم في غزة وفي فلسطين.

هذه الأحداث التي تتجلى أمامنا حاليًا ينبغي أن نأخذ منها دروسا وعبرة للقيام بواجباتنا والعمل على بناء جسور المحبة والوئام والتسامح فيما بين مجتمعاتنا الإسلامية ومكوناتنا القومية من أجل توحيد صفوف الأمة الإسلامية والاعتصام بحبل الله المتين؛ فالأمة الإسلامية بحاجة إلى توافق في الرؤى وعمل مشترك ونظرة ايجابية من أجل تطهير النفوس من الدرن، والحقد والعنصرية والكراهية، والله من وراء القصد.

"وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" صدق الله العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك