أتعاب الخبير الفني

 

أنور بن خميس العريمي **

alaraimianwar@gmail.com

 

يُمثِّل الخبيرُ الفني اليدَ المعاونة والقوة المساعدة للمحاكم وهيئات التحكيم في البحث والتحقيق للوصول إلى الحق والحقيقة بحسبان أن الخبرة الفنية من أهم وسائل الإثبات في الدعوى حيث تضمّن الباب الثامن من قانون الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (68/2008) على أربعة وعشرين مادة خاصة بأحكام الخبير والخبرة الفنية أمام المحاكم ما يؤكد أهميتها الكبرى لتحقيق العدالة القضائية في السلطنة، حتى أصبح يقال إنه "لا توجد دعوى دون خبرة".

لذا عرّف بعض فقهاء القانون الخبرة الفنية على أنها بمثابة إجراء من الإجراءات التحقيقية التي تتمتع بالطبيعة الفنية المتخصصة، والتي تأمر المحكمة بها بغرض الوصول إلى معلومات هامة للفصل في مسألة فنية لا تلم بها المحكمة، ويكون ذلك عن طريق ذوي الخبرة والاختصاص. (رمضان أبو السعود- مبادئ الإثبات في المواد المدنية والتجارية، دار الجامعة الجديدة، بيروت 2007، ص 159). كما عرّفت المادة رقم (1) من لائحة تنظيم أعمال الخبرة العماني الصادر بالقرار الوزاري رقم (52/2022) الخبير بأنه "كل شخص طبيعي أو اعتباري من ذوي الاختصاص أو الخبرة في مجال معين أو أكثر يعهد إليه بعمل من أعمال الخبرة، ويكون مقيدًا في السجل".

وأكدت الشريعة الإسلامية أهمية أخذ رأي أهل الخبرة، كما جاء في الكتاب الحكيم: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل: 43) ومقصود الآية الكريمة بالطبع هم أهل العلم والاختصاص والخبرة كل في مجاله، والأدلة كثيرة على ذلك ولا يتسع المجال لذكرها.

والذي نؤكد عليه دائمًا أن الخبير هو قاضي فني يقضي برأيه في المسائل الفنية المتنازع عليها في مجال تخصصه كما هو الحال في قاضي المحكمة الذي يقضي برأيه ويصدر حكمًا للفصل في النزاع بين الخصوم والفرق بينهما أن قرار الأخير ملزم وحاسم للنزاع بعكس الخبير الفني يستعان بتقريره ولا يكون ملزمًا أبدًا للأطراف ولا حتى للمحكمة إلا ما ندر، ومن هذا المنطلق يجب أن يتحلى الخبير بالنزاهة والحيادية والاستقلالية والمهنية في مهمته .

ويواجه الخبراء وبخاصة خبراء جدول وزارة العدل والشؤون القانونية تحديات عدة من أهمها عدم تقدير أتعابهم تقديرًا جيدًا مناسبًا لجهودهم ولأوقاتهم القيّمة وأيضًا التأخير في صرفها من قبل المحاكم التي تندبهم لبيان آراءهم الفنية حسب التكليف المطلوب منهم باعتبارهما الهم الأكبر الذي يؤرق مضاجعهم وتكثر حوله الشكاوى والتذمر، وبالتالي تسبب ذلك في عزوف الكثير منهم عن هذا المجال الذي لا يحبذ منهم ذلك، ولا على الطرف الآخر التضييق عليهم للتسبب في هذا العزوف، الأمر الذي بالتأكيد سينعكس سلبًا على العدالة وحقوق الناس .

من الأهمية بمكان تسليط الضوء على هذا الموضوع ومحاولة توضيحه وإيجاد بعض الحلول المناسبة لمساعدة أصحاب القرار قدر الإمكان .

إنّ الأصل في قطاع الأعمال وتقديم الخدمات الاستشارية والفنية بأن من يقدّم العمل أو تلك الخدمة يقدّر أتعابه بنفسه على أساس مجهوده ومقدار الوقت الذي سوف يستغرقه في إنجازه، وبالتالي الخبرة الفنية هي كذلك خدمة مقدمة من الخبير تكون بمقابل يقوم بتقديره عن الأعمال المراد إنجازها بالاتفاق مع أطراف الخصومة .

بهدف تنظيم إجراءات الخبرة الفنية أمام المحاكم فقد نصت المادة (83) من قانون الإثبات العماني على أن يتضمن الحكم الصادر بالاستعانة بخبير إيداع مبلغ الأمانة لحساب مصروفاته، وكذلك جاءت المادة (105) بأن يكون تقدير أتعاب الخبراء ومصروفاتهم من قبل المحكمة ونصت على أنه "تقدر أتعاب الخبير ومصروفاته بأمر يصدر على عريضة من رئيس الدائرة التي كلفته بمجرد صدور الحكم في الدعوى أو بعد انقضاء ثلاثة أشهر من إيداع التقرير إذا لم يصدر الحكم في هذه المدة لأسباب لا دخل للخبير فيها. ويستوفي الخبير ما قدر له من الأمانة، ويكون أمر التقدير فيما زاد عليها واجب التنفيذ على من طلب تعيينه من الخصوم، وكذلك على الخصم الذي قضي بإلزامه المصروفات".

مما لا شك فيه أن مقصد المشرع منح الهيئات القضائية الصلاحية الكاملة في تحديد مبلغ الأمانة هو العدالة والإنصاف في التقدير لثقته الكبيرة في توليهم تلك المسؤولية للقيام بتقدير عادل ومنصف لأتعاب الخبير وفق نوعية التخصص ودرجته وطبيعة الخبرة وسنواتها وأيضًا مراعاة حجم المأمورية وطبيعة المنازعات ومطالبات طرفي النزاع ونوعية الدعوى حتى لو كان الحكم بتحديد مبلغ الأمانة مبدئيا وليس نهائيا ولكن للأسف الشديد الملاحظ أن الواقع العملي هو التقدير غير المنصف لمبلغ الأمانة.

ويتعين على المحكمة أن تحكم بزيادة مبلغ الأمانة بناء على طلب الخبير قبل البدء في إجراءات الخبرة مراعاة ما ذكرناه سابقًا أو عند الانتهاء من تقديم التقرير بعد النظر في الجهد الاضافي والوقت المستغرق في إعداده وبإلتزام التقرير الفني بما نصت عليه المادة (30) من مدونة قواعد سلوك الخبراء وخبراء الإفلاس الصادرة بالقرار الوزاري رقم (113/ 2022) لوزارة العدل والشؤون القانونية بالسلطنة، على ضوء ذلك فلا يجدر بالقاضي أن يرفض الطلب ولا أن يخفّض من مبلغ الأمانة المقدرة من باب أولى إذا جاء التقرير متكاملًا من كل النواحي ومشتملًا على ما ذكرته المادة من التزامات واضحة في تقارير الخبرة .

بيد أننا لا نحبذ أن تكون أعمال الخبرة الهدف منها هو الربح التجاري البحت، بحيث تكون طلبات زيادة الأتعاب بصورة مبالغ فيها يحسب فيها كل شاردة وواردة أو الهدف منها هو العمل الإنساني دون مقابل؛ بل المطلوب هو الاعتدال بين هذا وذاك .

ويتبين من نص المادة (105) أيضًا أنه لا يمكن بحال من الأحوال التأخير في صرف أجر الخبير أكثر من 3 أشهر من إيداع تقريره في المحكمة أو أن يتم الصرف بمجرد صدور الحكم النهائي في الدعوى أيهما أسبق، باعتبارها مددا محددة قانونًا لا يجوز مجاوزتها بدون أي مبررات قوية تستحق التأخير .

تمر السنة والسنتان؛ بل أحيانًا أكثر من ذلك، ولا يتم صرف أتعاب الخبير بالرغم من إيداعه لتقريره بحجة أن المحكمة لم تفصل في الخصومة بحكم نهائي، طبعًا ذلك لا يستقيم أبدًا مع ما حث عليه نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" (صحيح ابن ماجه 1995)؛ أي بمعنى المسارعة بتأدية أجر الأجير بعد فراغه من عمله جزاءَ عناءه وكدّه وتعبه جزاءً مستحَقًا دون مماطلة أو تأخير.

من وجهة نظرنا أن الصرف بعد انقضاء مدة 3 أشهر من إيداع التقرير في المحكمة تعد مُدة طويلة يترتب عليه ضرر وخسائر يتكبدها الخبير للنفقات والمصروفات وإلتزامات أخرى لإدارة إجراءات الخبرة الفنية .

ولتفادي مشكلات التأخير في صرف الأتعاب، نرى أنه من الافضل تطبيق إحدى هذه الطرق كالتالي؛ أن يتم صرف الأتعاب كاملةً عند إيداع التقرير أو أن يتم صرف نصف الأتعاب مقدمًا قبل البدء في إجراءات الخبرة والنصف الآخر عند إيداع التقرير أو أن يتم صرف نصف مبلغ الأتعاب عند إيداع التقرير والنصف الآخر بمجرد صدور الحكم النهائي أو بعد انقضاء مدة 3 أشهر من إيداع التقرير.

ختامًا.. نأمل من المجلس الأعلى للقضاء الموقر، دراسة هذا الموضوع المُهم جدًا من جميع الجوانب، ومراجعته لاتخاذ صيغة تقديرية مرضية من خلال آلية مناسبة لتحديد أتعاب الخبراء مقابل تعبهم وحل معضلة التأخير في صرفها، وبالمقابل نطلب من الخبراء الفنيين في مختلف التخصصات العلمية بذل المزيد من الجهد والعناية الفائقة، إضافة إلى التحلي بالحكمة والصبر في أعمال الخبرة أمام المحاكم.

** خبير هندسة مسح الكمیات ومحكم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك