محمد بن رامس الرواس
"إنه ليس شخصًا عاديًا، هو رجل يرى نفسه في مهمة ما في هذا العالم" مركز هرتسيليا الإسرائيلي.
كانت وما تزال الاغتيالات والتصفيات والجرائم السياسية ديدنَ الكيان الإسرائيلي منذ نشأته عام 1948، بعد احتلاله أرض فلسطين، واستخدم في ذلك أجهزة الشاباك والموساد وأعوانهم فامتدت أيدي عملائهم إلى العديد من العواصم الأوربية والعربية لتنفيذ جرائمهم، وبعض هذه الاغتيالات لا يُعلن عنها والبعض منها يتم الإعلان عنها مسبقًا .
لقد ركّز الكيان الإسرائيلي بشدة في العقود الأخيرة على قادة حماس فبدأ باغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين عام 2004؛ وبعده عبد العزيز الرنتيسي وغيرهم، واليوم يطلب الكيان الإسرائيلي ومجلس الحرب تحديدًا القائد يحيى إبراهيم حسن السنوار بشدة ويضعه ضمن قائمة أهدافه في حرب غزة ويعتبر القضاء عليه هدفاً استراتيجياً، وليت الكيان الإسرائيلي يعلم أن الاغتيالات لا تصنع انتصارات وإلا لما وصلت المقاومة إلى ما وصلت إليه اليوم من عدة وعتاد وتسليح وتجهيزات .
لم يتعلم الكيان الإسرائيلي من الدروس الفائتة من نتائج اغتيالاته التي تكون نتائجها وخيمة عليه، كل قيادي يسقط من المقاومة تتفجر بعده براكين من الثورة في نفوس زملائه وتلاميذه فيعملون بأضعاف طاقاتهم للنيل من الأعداء فيصبح الاغتيال وبالاً على إسرائيل؛ وعندما يسقط قائد يظهر قائد آخر أقوى وأشد بأساً ممن سبقوه، والقادة بحماس عبارة عن شهداء يمشون على الأرض وهذا ما لا تدركه إسرائيل.
إنَّ من يجري البحث عنه اليوم المطلوب رقم واحد للكيان الإسرائيلي رئيس المكتب السياسي بحماس، ذي عينين ثاقبتين وشعر أبيض ثلجي ولحية بيضاء وشارب اختلط فيه البياض باللون الأسود، عندما تقابله قد لا تدرك أنه بتلك القوة الجبارة التي يحملها في صدره.. هو من دهاة قادة المقاومة يتميز بالذكاء الفطري والحس الأمني، وهو أديب وكاتب، محبوب بشدة بين زملائه ومعارفه والشارع الفلسطيني، وهو شخصية كما شبهه أعداؤه بالأسطورة.. سياسي بامتياز متعدد المواهب في القيادة والتخطيط، يعرف كيف يدير المعارك، فهو يُدرك نقاط ضعف أعدائه بدقة، صادق الوعد لا يخلف وعده يعرف ما يُريد، مفاوض عنيد وصلب يتحدث العبرية بطلاقة، قارئ جيد للشخصية الصهيونية متعمق في المجتمع الإسرائيلي يقرأ صحفهم وكتبهم ودراساتهم ويبحر في شخصيات قادتهم، يعرف كيف ينظم ويخطط وينفذ بسرية تامّة.
يعتبره البعض غارقًا في محبة حماس إلى أذنيه؛ إذ إن المحبة الحقيقية- كما يقولون- تُنتج المعجزات، ويولد من رحمها ما يفوق الخيال، اعتنى أيما عناية بتسليح كتائب القسام فأصبحت مثل ما نشاهدها اليوم متفوقة وصاحبة اليد العليا عند الالتحام مع جيش الاحتلال الإسرائيلي وجهًا لوجه .
أوهم أعداءه خلال تواجده بالأسر (حيث قضى 24 عامًا في سجون الاحتلال) بأنَّه شخصية قابلة للإرضاء ففي إحدى لقاءاته بالتلفزيون الإسرائيلي بعد أن أجرى عملية جراحية بالمخ تحدث إليهم باللغة العبرية قائلًا "برغم عدم اعترافنا بإسرائيل لكننا مستعدون للذهاب إلى هدنة طويلة الأمد". لقد أوهم الإسرائيليون بأنه من النوع المتردد في خوض الحرب، وظل يخدعهم بهذا الوهم حتى تم إطلاق سراحه في تبادل الأسرى بصفقة شاليط المعروفة عام 2011م، قام بعد خروجه بتصفية الخونة بحماس وكانت هذه مهمته الأولى، ثم تدريب وتسليح كتائب القسام، بينما على الجانب الآخر ظل يوهم إسرائيل أنه مهتم بالشأن الاقتصادي؛ ففي إحدى زياراته لمصر بعد إحدى الحروب الفائتة ترك قصاصة ورق صغيرة فوق الطاولة كتب فيها "أتمنى أن أرى غزة مثل سنغافورة"، فيعتقد القاري لها أنه يحلم بالهدنة والسلام وتشييد غزة لتكون مثل المدن الاقتصادية الكبرى حتى اعتقد الكيان أن حماس بقيادة يحيى السنوار لا تميل إلى حرب أخرى.
برغم كل ذلك، أكدت مراكز الأبحاث الإسرائيلية ومنها معهد السياسات الاستراتيجية التابع لمركز هرتسيليا في تقريره حول شخصية يحيى السنوار أنه الرجل الذي سيُغيِّر قواعد اللعبة مع إسرائيل، وأنه لا يمكن قراءة سلوكه في ظل انعدام العقلانية فهو رجل يعمل ضمن خيارات واعية، وأوصى المعهد في ختام تقريره بالاستعداد لمعركة إضافية قد تكون قريبًا. وللمفارقة أن التقرير صدر قبل معركة السابع من أكتوبر.. وللحديث بقية.