مُحمد رامس الرواس
مازال الجميع يتذكر شجاعة وعبقرية وقوة المقاومة الفلسطينية وقادتها الأوائل الذين قدموا الكثير لتطوير كتائب عز الدين القسام، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تنظيم عسكري أذهل العالم، لقد كانت ولا تزال غزة تمثل المقاومة الحقيقية التي تخشاها إسرائيل منذ عقد الثمانينيات منذ انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رسميًّا.
إننا يجب ألا نتفاجأ من قوة وبسالة حركة المقاومة وجناحها العسكري فصائل عزالدين القسام، وهي في يومها الستين من الحرب، وهي بهذا الصمود وهذا العنفوان، بوقوفها بوجه جيش الاحتلال الغاصب ومن معه من أعوان يساندونه بالمال والسلاح والعتاد والجنود، والذين لم ينالوا من غزة سوى دمار للمساكن والمستشفيات والمساجد، وقصف جوى دمر البنية الأساسية فنتج عنه ضحايا مدنيون أبرياء، بينما الاشتباك ميدانياً وجهاً لوجه فكانت اليد الراجحة فيه للمقاومة.
وشمال غزة برغم ما عاناه خلال الستين يوما الفائتة، إلا أن استبسال المقاومة فيه جعل معادلة المعركة تتغير لصالحه، ولم يكمل الجيش الإسرائيلي مهمته -هذا ما ورد بالصحافة الإسرائيلية- فهرب واتجه للبحث عن نصر بجنوب القطاع بعد انتكاسته بالشمال، فلاقى أشد البأس والبسالة من رجال المقاومة، أكثر مما لاقاه في الشمال، وما معركة بني سهيلة، والشجاعية وجحر الديك عنا ببعيد.
بعد ستين يوماً من الحرب لم يتحقق للجيش الإسرائيلي شيء ملموس من أهدافه، بل ظل تائها في قطاع غزة العتيدة ينتقل بدباباته وجنوده من موضع لآخر دون نتيجة، والخيارات أمامه تتقلص يوماً بعد يوم وتضيق عليه الدنيا، والمجتمع الدولي والولايات المتحدة -كبرى الدول المساندة له وحليفها الإستراتيجي- لم تعد تمهلهم أكثر من أسابيع فقط، وهم يحذرونهم بشدة من حصول الانهيار الكبير الذي ستشهده إسرائيل جراء تماديها في الحرب من أزمة اقتصادية كبرى تطيح باقتصادها، هذا بجانب غياب الأمن بعد معركة غزة وما سيتطلبه التعافي منهما من عقود من الزمن.
كيف أعمى الله أعين الجيش الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر؟ وكيف تم الاستيلاء على الأرشيف الإسرائيلي بكل هذه السهولة؟ وأين هي القوة العسكرية التي صرفت عليها إسرائيل مليارات الدولارات وزودتها بأفضل الأسلحة بالعالم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها بعد ستين يومًا من معركة غزة لا يزال الشارع والرأي العام الإسرائيلي يتساءل عنه وعن غيره من الأسئلة التي لا يجيب عنها أحد.
في اليوم الستين من الحرب، نشر الكيان الإسرائيلي أسماء القتلى والمصابين لأول مرة تجنباً لحالة الغليان التي تسود الرأي العام لديهم، واتهامات الصحافة الإسرائيلية لهم بوقوع خسائر كبرى، نعم عدد القتلى أكبر مما أُعلن، لكنَّ إخفاءه كالعادة ومنذ بدء الحرب لن يفضي إلا لمزيد من الاحتقان بالشارع الإسرائيلي، وسيكتشف ذلك غداً لا محالة والصحافة الإسرائيلية لهم بالمرصاد فيما يخفون.
فمنذ بداية حرب غزة، يعتبر الإسرائيليون اليوم الستون هو الأعنف بشهاداتهم (وهم بهذا القول يخفون وراءه الكثير من كبواتهم وهزائمهم وعدد قتلاهم)، وعندما يعلنون عن آلامهم ومعاناتهم إنما هو دليل وبرهان واضح على قوة استبسال المقاومة الفلسطينية وصمودها.
لم يعد الرأى العام والشارع الإسرائيلي يسمع للناطق الرسمي لجيشهم، بل يسمعون للإعلام والصحافة الإسرائيلية أكثر منه، وإلى تصريحات أبو عبيدة، فهم يثقون بما يقول أكثر من قادتهم.