حاتم الطائي
◄ بلغ السيل الزُبى.. وأصحاب الضمائر الحيَّة يرفضون الإرهاب الإسرائيلي
◄ الشعوب تأمل أن تقرر القمة قطع جميع العلاقات مع الدول الداعمة للاحتلال البربري
◄ ضرورة بناء اقتصاد عربي مُستقل بعيدًا عن التبعية الاقتصادية للغرب
تابع الجميع أعمال القمة العربية الإسلامية المشتركة والتي استضافتها المملكة العربية السعودية الشقيقة، وشاركت فيها سلطنة عُمان بوفد ترأسه معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، بجانب رؤساء ورؤساء حكومات ومُمثلين عن العديد من الدول العربية والإسلامية، للتباحث حول الأوضاع المأساوية والحرب الهمجية الغاشمة التي يُنفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وتسببت في استشهاد ما يزيد عن 11 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، في أسوأ عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية.
القمة انعقدت وقد بلغ السيل الزُبى، فصرخات النساء الثكلى تؤرق أصحاب الضمائر الحيَّة في مضاجعهم، وعويل الأطفال اليتامى الذين فقدوا ذويهم تحت الأنقاض أو بقذيفة مدفعية، يخترق جدران القلب ويمزقه تمزيقًا، ومشاهد المُصابين والجثث التي تمتلئ بها المشافي المُنهارة بالكامل تُدمي القلوب. حضر القادة وممثلو الحكومات في هذه القمة بينما تواصل قوات الاحتلال الإرهابية تدمير غزة وقصف المستشفيات ودك البيوت على ساكنيها من المدنيين العُزل.. اختُتمت أعمال القمة وخرج البيان الختامي مُنددًا مُستنكرًا مُطالبًا داعيًا إلى الكثير من الأمور، دون أن يتطرق في نقطة واحدة منه إلى المطالب التي رفعتها الشعوب العربية والغربية الحُرّة التي تُؤمن بصدق بحق الشعب الفلسطيني في المُقاومة، وتقتنع بقوة بأنَّ إسرائيل دولة الإرهاب الأولى في العالم، وأن بطشها الغاشم وحربها البربرية ضد الشعب الفلسطيني يجب أن يجد كل الرفض؛ بل ويُحرك العالم من أجل إنهاء هذه الحرب ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ الأحكام العادلة ضدهم.
البيان الختامي خلا من كل شيء إلّا اللغة الدبلوماسية التي اعتاد العرب عليها، فرغم أنَّه تضمن 31 "قرارًا" إلّا أنه لم يكن سوى بيانًا دبلوماسيًا يُندد ويطالب، ويشجب ويستنكر، ويحث ويدعو، دون إعلان موقف واضح وصريح، ودون تبنّي قرارات من شأنها أن تُوقِف هذا الاحتلال الهمجي، ودون أن يُلبي طموحات الشعوب التي خرجت بالملايين حول العالم رفضًا للجرائم الإسرائيلية ومطالبةً بوقف الحرب فورًا.
لقد كانت هذه الشعوب الحُرة تأمل أن يصدر بيانٌ يقول إن المجتمعين في هذه القمة ليؤكدون رفضهم التام للعدوان الإسرائيلي الغاشم على المدنيين في قطاع غزة، وعليه قرروا قطع جميع العلاقات مع الكيان المُحتل، وسحب السفراء ووقف كافة أشكال التعاون مع الدول التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي وتزوِّده بالسلاح والمال من أجل مُواصلة حملة الإبادة الجماعية التي ينفذها بمنهجية شريرة واضحة.
كان من باب أولى أن يتضمن البيان الختامي للقمة النص على تجريم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب وضرورة غلق المجالات الجوية للدول العربية والإسلامية أمام طائراته وطائرات من يدعمه.
من المؤكد أنَّ الشعوب التي خرجت بالملايين في الشوارع احتجاجًا على المذابح الإسرائيلية، كانت ستسعد لو أنَّ البيان الختامي للقمة تضمن تأكيد حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الطرق وهو ما نصت عليه القوانين الدولية، فكل احتلال للأوطان تجب مقاومته، من أجل نيل الاستقلال وإعلاء كلمة الحق، ولقد نالت شعوب عدة حول العالم استقلالها بعد معارك طاحنة خاضتها المقاومة الشعبية وجيوشها دفاعًا عن الأرض والعرض.
لو أنَّ البيان الختامي للقمة تضمن تأكيد مقاطعة بضائع الدول المؤيدة لإسرائيل في حربها العدوانية ومقاطعة المنتجات التي أيدت كذلك العدوان، لكان ذلك تلبيةً لمطالب الشعوب الحرة، التي أطلقت حملات مقاطعة عارمة تسببت في خسائر فادحة لهذه الشركات.. كان من باب أولى أن تدعو القمة إلى تعزيز ثقافة المقاطعة والعمل على إيجاد بدائل وطنية في كل دولة، وتعزيز التبادل التجاري بين الدول العربية والإسلامية.
كُنّا نأمل أن تدعو القمة لبناء اقتصاد مستقل وتحقيق التنويع الاقتصادي المأمول، من خلال استثمارات مشتركة تنافس تلك المطاعم والمقاهي والعلامات التجارية الغربية التي تُؤيد المحتل وتدافع عنه بكل جبروت، عندئذ سنأكل مما نزرع ونشتري من منتجات أوطاننا العربية.
أين المؤازرة العربية والإسلامية من أجل مضاعفة المساعدات الإنسانية والإغاثية لأهالي غزة والشعب الفلسطيني بأسره؟ فحتى الآن ما زالت المساعدات دون المستوى المأمول، ولا تُلبي كل الاحتياجات لإخواننا في القطاع.
لقد كان من بين تطلعات الشعوب العربية أن تخرج القمة العربية بقرار لتأسيس منصات إعلامية ومنصات للتواصل الاجتماعي يستطيع من خلالها العرب والمسلمون التعبير عن رأيهم فيها بكل حرية دون مقص الرقيب الغربي الذي يسمح بمرور المنشورات المؤيدة لإسرائيل لكنه يحذف كل ما يدعم المقاومة بل ويُهدد بغلق الحسابات.. كنَّا نريد إنشاء قناة عربية ناطقة بلغات العالم لمخاطبته في عقر داره وتوعية الشعوب الصديقة بحقيقة ما يحدث في فلسطين ليس فقط خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكن منذ أكثر من سبعين سنة، هي عمر القضية الفلسطينية.
كما إن قضية التعويضات، كان من المؤمل أن تجد مساحتها في البيان الختامي؛ حيث يتعين على الاحتلال وكل الدول التي زوّدته بالأسلحة والقنابل الفتّاكة أن يدفعوا تعويضات عادلة لأهالي الشهداء الذين فقدوا أحباءهم ودُمِّرَت منازلهم، وشُرِّدوا ونزحوا لمواقع أخرى، فضلًا عن التعويضات النفسية والمعنوية للأطفال الذين حُرموا من حقهم في التعليم والطفولة البريئة الخالية من مشاهد الدماء وأصوات القنابل وأزيز الطائرات الحربية، هذا إلى جانب ضرورة تحمل هذه الدول تكلفة إعادة إعمار غزة بالكامل.
لا شك أنَّ الاجتماعات الدبلوماسية ولقاءات القادة وكبار المسؤولين تُحيط بها العديد من الحسابات، وتنطلق من ضوابط مُعينة تحكم العمل السياسي، لكن الشعوب لا تُريد سوى أن تجد صدى ما تؤمن به في مثل هذه المواقف، الشعوب تأمل أن تستجيب القمم الإقليمية أو الدولية لمناشداتها وفقًا لما يقتضيه الضمير الإنساني.
إننا وعلى الرغم مما سبق، نشعر بالاعتزاز والفخر للجهود الدبلوماسية التي تقودها سلطنة عُمان في شتى المحافل وعلى مختلف المستويات، لتؤكد حق الشعب الفلسطيني في الحياة بكل أمان وسلام، وتسعى بكل جهدها من أجل أن يحظى الفلسطينيون بحقوقهم المشروعة وأولها بناء دولتهم المستقلة وفق مقررات الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة والمبادرة العربية للسلام.
نُشيد بقوة بما تُبديه الدبلوماسية العُمانية من جهود غير مسبوقة واستثنائية على مستوى العالم، وليس المنطقة وحسب، إذ يُحسب لعُمان أنها الدولة الأولى في العالم التي طالبت رسميًا- على لسان معالي السيد وزير الخارجية- بمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها في فلسطين. ظلّت عُمان مُتمسكةً بموقفها الراسخ القائم على ثوابت لا تقبل التغيير أو المساومة، داعمةً بكل ما تستطيع إخواننا في فلسطين، عاكسةً بذلك الموقف الشعبي ومتماهيةً تمامًا مع تطلعات كل عُماني وعُمانية، يؤمن بصدق بعدالة القضية الفلسطينية.
ويبقى القول.. إنَّنَا إذ نُعبِّر عن هذه التطلعات الشعبية لا نقصد بها سوى تسليط الضوء على آمال الشعوب ورغباتها في السلام والاستقرار، وحرصهم الصادق على القيم الإنسانية النبيلة، ووعيهم غير المسبوق بعدالة قضية فلسطين، وعدم مشروعية ولا إنسانية دولة الاحتلال الإرهابية.