سجِّل.. أنا فلسطيني!

 

علي بن حمدان الرئيسي

 

في الحقيقة لم تكن لدي النية أن أكتب عمّا يحدث في غزة، ليس لأن الأمر لا يستحق ذلك، لكن لأنَّ الكلمات عاجزة عن التعبير عمّا يحدث؛ سواءً بوصف بطولات المقاومة أو التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، أو بوصف وحشية وهمجية المجازر التي يرتكبها الصهاينة.

كنت أفضل أيضًا أن لا أشارك في المتاجرة بدم الفلسطينيين كما يفعل بعض الكتاب والسياسيين، مع عدم إنكار أن هناك كثيرًا من المتعاطفين حقًا مع الفلسطينيين. كما إن الوقت لم يحن بعد لكتابة تحليل موضوعي عن الأحداث لأننا لازلنا في خضم المعركة ولكن قد يكون من المناسب تسجيل عدد من النقاط، أُوردها فيما يلي:

لا شك أن ما حدث في 7 أكتوبر يمثل من وجهة نظر كثير من المحللين علامة فارقة في تاريخ القضية الفلسطينية؛ فقد نقلت المقاومة الفلسطينية المعركة إلى الأراضي المحتلة، وقد كانت إسرائيل دائمًا تنقل المعركة إلى أراضي الخصم.

ما حصل في 7 أكتوبر أن المقاومة بدَّدَتْ كل ما بنته وخططت له الصهيونية العالمية وسوَّقت له لليهود في أنحاء العالم على أن الوجود الصهيوني في فلسطين هو وجود آمن؛ وأن عليهم الهجرة إليها واحتلال أراضي العرب، تحت حماية دولة إسرائيل "التي لا تُقهر". هذه النظرية أسقطتها المقاومة الباسلة بتاريخ 7 أكتوبر فلم يعد الصهاينة آمنون على أنفسهم ومن الصعب على إسرائيل تسويق نفسها للصهاينة في الخارج كما أن الكثير منهم لابد بعد هذه المعركة سيهاجر من الأراضي المحتلة.

إن أحد أسباب المجازر التي ترتكبتها إسرائيل هي محو صورة الهزيمة التي لحقت بجيشها والإذلال الذي تلقاه على يد المقاومة الفلسطينية. الواقع أثبت أن إسرائيل بلد لا يحتمل الهزيمة، وأن المقاومة أثبتت أن لا أمان لليهود المهاجرين إليها؛ فقد قامت بكل هذه المجازر ضد الأطفال والنساء لتحل صور المجازر محل صورة الهزيمة التي مُنيت بها. طبعًا الصهيونية ليس غريبًا عليها اقتراف المجازر ضد المدنيين فهذا كان ديدنهم منذ عام 1948.

في المقابل، أثبت المقاوم الفلسطيني الذي يتصدى للآلة العسكرية الصهيونية المدججة بأحدث الأسلحة الأمريكية شجاعة وإقداماً لا مثيل لهما، وكبَّد العدو الإسرائيلي خسائر فادحة وأثبت قدرة قتالية عالية أزالت خرافة أن جيش العدو لا يقهر.

 

إن الأحداث الأخيرة أثبتت أن النظام العربي الرسمي في أغلبيته لم يخدم القضية الفلسطينية كما هو متوقع من الشعوب، إلّا البعض الذي لم يستطع ان يقدم سوى كلمات التنديد والشكوى للأمم المتحدة، فقد أثبتت النظم العربية عدم قدرتها على تلبية أدنى طموحات الشعوب العربية؛ وذلك بممارسة الضغط على الدول الغربية لوقف إطلاق النار، أو على الأقل فك الحصار عن غزة وتقديم المساعدات الضرورية.

وقوف الدول الغربية الى جانب إسرائيل، وتبريرها ذلك بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بارتكاب هذه المجازر وقتلها ما يزيد من أكثر من 11 ألفاُ من أهل غزة معظمهم من النساء والأطفال يأتي منسجمًا من أن إسرائيل ليست سوى رأس حربة للاستعمار الاستيطاني الغربي وأنها زُرِعَت من قبل الغرب لتمزيق العالم العربي والإسلامي ونهب خيراته وموارده بالتنسيق والتعاون مع القوى المتخلفة والمهيمنة في الوطن العربي. تبقى هذه الدول التي تتعامل مع الآخر غير الأوروبي على أنهم ليسوا بشرًا أو كما قال أحد الإسرائيليين "حيوانات بشرية"، أو كما قام نتنياهو بتوصيف المعركة بأنهم بين من يمثلون النور وبين من يمثلون الظلام، كل ذلك نابع من هذه العقيدة الغربية التي ترى أن حياة الآخر العربي الفلسطيني هي أقل من حياة الأوروبي.

لا شك أن الوضع الإنساني في قطاع غزة مأساوي وكارثي، لكنننا على ثقة حتى لو تقدمت القوات الإسرائيلية في كل غزة بأنه لا يمكن القضاء على المقاومة وأن المقاومة في الأخير ستنتصرـ وأن نتنياهو وعصابته سيكون مصيرهم مزبلة التاريخ.

إن انتصار المقاومة لا شك سيكون بداية الطريق لتحرير فلسطين، وإن المخطط الصهيوني الأمريكي بتهجير أهالي غزة إلى سيناء سيفشل لصمود وبسالة الفلسطينيين ووعي الشعب المصري الشقيق.

إننا نُحيِّي صمود شعبنا في غزة وفي الضفة الغربية أمام المجازر الصهيونية وصمود أبناء جنوب لبنان والجماهير العربية التي خرجت متضامنة مع الشعب الفلسطيني البطل، كما نحيي كل الأحرار في العالم في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية الذين خرجوا متضامنين وأعلنوا كلهم أنهم فلسطينيون.