رئيس أمريكي ينتزع أقنعة بلده!

 

د. مجدي العفيفي

(1)

يا لروعة الإنسانية التي «يطفح» بها سكان البيت الأبيض- الأسود- الأمريكي، وعلى رأسهم الكاوبوي «بايدن» الذي يفيض عذوبة! ويشف رقة! ويتنفس رحمة! على أبناء الشعب الفلسطيني الذين يُبيدهم كل لحظة بكل رحمة وأياديهم تقطر إنسانية!!

من أية مادة خلقت هذه الكائنات الأمريكية؟ هل هذه أخلاق دولة يقال إنها عظمى؟

تتكاثر علامات الإستفهام والاستنكار دائما كلما نظرنا إلى مواقف أمريكا، لا سيما من الكيان الصهيوني، إلّا أن هذا المشهد الذي سرده د. طلال أبوغزالة في أخر حديث فضائي له قبل أيام له وضعية خاصة، ودلالة مبينة.

يروي د. طلال أن الرئيسي الأمريكي الأسبق جيمي كارتر- وصديقي الوحيد من رؤساء أمريكا- تعرف عليه من أول شهر في فترة رئاسته لأمريكا (1977–1981) ولا تزل العلاقة بينهما مستمرة، وذات يوم دعاه إلى تناول العشاء في باريس، أثناء زيارة له فسأله:

- أنا اعرفك كإنسان متدين بشكل حقيقي وإنسان عنده ضمير، كيف اتخذت قرارات ضد الدين، وضد القانون، وضد الضمير؟

قال له كارتر:

- دعني أشرح وأتمنى أن تنقل إلى كل من تلقاه من القادة العرب، أمريكا ليست مثلك، أمريكا ليست بني آدم، ما عندها ضمير، ما عندها قلب، لا تحس، أمريكا دولة، هذه الدولة تتخذ قرارات من قبل جهات بحث متخصصة تصنع القرار، وتقول يا رئيس وقًّع، وأنا بصفتي رئيسا، أنا خادم وموظف عند الشعب الأمريكي، وهو رب عملي، إذا جاءك قرار من الجهات المختصة يقول إن هذا القرار هو في مصلحة الشعب الأمريكي، فإن واجبي أن أوقع، بغض النظر عن شعوري، شعوري بالبيت كإنسان، فلا تنغشوا بكلمة صديقنا ولا تنخدعوا بتعبير الدول الصديقة، هذا غش فلا صداقة لها مع دولة أحد، ولا أحد، «كلام فاضي».

كل الكلمات لا تستطيع أن ترتقي إلى وصف الجريمة الأمريكية في فلسطين،

أحاول البحث في القواميس السياسية واللغوية والإعلامية عن كلمة، أو تعبير، أو جملة، فإن البحث يرتد الىّ حسيرًا.

جرائم فوق حدود العقل والأخلاق والمنطق والإنسانية والبشرية..

كل كلمة ينبح به البيت الأسود الأمريكي، مقصودة..

إنهم شرائط كاسيت تردد جرفيا ما تقوله حكومة العالم الخفية والماسونية والصهيونية، بلا حياء أو خجل..

المفارقة أن ما أعلنه أبو غزالة على الملأ، حدثني مثله سياسي مصري عريق من الجيل السياسي الموثوق منه وفيه: «لا تظلم هذا الـ«بايدن» وقطيعه، إنهم ينفذون ما يلقى عليهم خاضعين منصاعين مستسلمين، ومن لا ينفذ يلقون به في عرض الطريق المجهول».

وها هم ليل نهار يثرثرون بالتعبيرات المحفوظة المثيرة للسخرية مثل: إسرائيل تدافع عن نفسها.. حماس إرهابية.. نؤيد إسرائيل بلا حدود، يجب حماية المدنيين.. وغير ذلك مما يجعل الإنسان الحقيقي يتقزز منه.

(3)

في هذا السياق، ألا ترون معي أن تعبير «المجتمع الدولي» صار تعبيرا كاذباً، لا مصداقية له على أرض الواقع، هل أمريكا هي العالم ؟ مستحيل

هل المقاطعات الأوروبية مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا.. هي العالم؟ مستحيل!

إنهم يتوهمون ذلك، حتى مجلس الأمن، ليس مجلسا دوليا، ولا يمثل العالم، ولن يمثله أبدا طالما بقي بهيئته المهانة، العالم أكبر وأوسع وأعظم من هذه الدول التي امتصت دماء وشعوب العالم ردحا من الزمن الغبي، تحت أقبح كلمة في التاريخ وهي كلمة (الاستعمار) التي روجها المستشرقون المغرضون زمنا طويلا.

هذه الدول جذورها في الهواء، لا أصول ولا فصول، ولا تاريخ، صاروا بقايا دول وشعوب، واذكر بكتاب صدر عام 1994 لأستاذ جامعي ورجل أعمال أمريكيين، يكشف أن أمريكا هي التي كانت مرشحة للانهيار وليس الاتحاد السوفيتي 1991، لأنها مجرد مؤسسات وشركات تجارية، ويشير مؤلفا الكتب أن أمريكا في طريقها إلى الانعزال وراء المحيط الأطلنطي، إن عاجلا أو آجلا، السقوط حتمية تاريخية ووجودية، واقرأوا كيف تسقط الحضارات والدول، كسنة من سنن الوجود.

كل الذين أطلقوا على أنفسهم مسمى «الإمبراطوريات» وهمًا وزورًا وصلفًا وغطرسة، اندحروا وأصابتهم الشيخوخة الحضارية، وتجمدت دوراتهم السياسية، ودارت عليهم الدوائر، كبغاة غلاظ مسعورين، لاستلاب الثروات الطبيعية والإنسانية الكامنة في قلب إنسان الشرق ووجدانه، الذي لا يعرفون كيف يدركون أسراره الشرقية.. وهيهات!

(4)

«أين الإمبراطوريات الغربية التي تعاقبت على البشرية؟ أين إمبراطورية القرن الثامن عشر (الفرنسية) وأين إمبراطورية القرن التاسع عشر (البريطانية التي غابت عنها الشمس وغابت هي أيضا)، ومضى القرن العشرون وقد اختفت منه الإمبراطورية السوفييتية ما بين غمضة عين وانتباهتها ! وبقيت الأمريكية والتي يقول الباحثون والمحللون الأمريكيون أنفسهم أنها هي التي كانت مرشحة للانهيار.. وهي الآن مهيأة للانهيار.. و.. و.. البقية تأتي..».

تحولات العصر الحديث قد تداولتها أربعة معسكرات فكرية: الشيوعية، أو المادية الجدلية في (روسيا) والوجودية (في فرنسا) والتحليلية (في بريطانيا) والبراجماتية (في أمريكا). كل هذه المعسكرات تنتهي بانتهاء الحياة الدنيا، وقد أثبتت الأيام والتجارب والمغامرات والمقامرات أنها مؤقتة، وقد أوهمت الناس، بأنها (الفردوس) فاذا هي (جحيم) تلك المعسكرات تحطمت، وتناثرت، والبقية تترنح، وتتململ، وتتملص من مصيرها المنتظر، وتتقلص في ذاتها، لأنها تحمل أسباب ذهابها في إهابها، وفنائها في استماتة بقائها.