المباراة التاريخية!

 

المعتصم البوسعيدي

 

في ملعبٍ غير مُهيأ، وتحت ظل ظروف صعبة، وانحياز تام من المؤسسات والشخصيات المعروفة لطرفٍ دون آخر، وحرمان من التعاقدات، وفي ظل إصابات عديدة، ورحيل بعض النجوم والأسماء اللامعة، وانسحاب من كان يُعتمد عليهم للدعم والمساندة من الأشقاء والأصدقاء، وإعلام غير مهني، خاض -ولا زال- فريق غزَّة مباراة تأريخية، يقودها مدرب حماسي، وإداري وإعلامي مُحنك، ولاعبون فدائيون، لا ينظرون إلا إلى الفوز رغم فوارق الإمكانيات وفساد من حولهم، وتحكيم باع نفسه لمن يدفع أكثر ويخدم مصالحه الشخصية.

الاتحاد الدولي المشرف على هذه المباراة "صمٌ بكمٌ عميٌ" والاتحاد القاري للفريق الغزاوي سلحفاة لا تهتم ببيضها، والاتحادات الشقيقة "يوم تسلم ناقتي ما عليَّ من رفاقتي" على المدرجات يستمتعون بالمشاهدة، ومعايير الحياد سقطت حين البشرة كانت "بيضاء محمرة"، وسقطت حين يقيمون الحداد على رياضي قضى نحبه على فراش الموت، أما وقد قُتل فهم في سُباتٌ نائمون، وكيف لا ينامون؟ وشقيق المقتول يُقيم الأفراح والليالي الملاح.

المباراة لا زالت مستمرة رغم انتهاء وقتها الأصلي؛ لأنَّ الطرف الخاسر لا يُراد له أن يخسر، فمددوا له الوقت لعله ينفذ "ريمونتادا" يعكس المعادلة المعكوسة أصلًا، لكن هيهات هيهات، فغزَّة فريق لا يقهر شعاره "جهاد أو استشهاد" ومن يعي معنى الاستشهاد يعلم جيدًا أنه بداية الحياة الأبدية في ملعب -والمعذرة على التشبيه-ليس له مثيل؛ مهابة لا نظير لها، وحضور وتصميم لا يوصف ولا يقارن مع ملاعب أخرى.

خلال المباراة كانت ثمَّة جماهير محايدة، لا تدري من تُشجع أو لمن تهتف؟ لكن أداء الفريق الغزاوي جذبها، وبطبيعة من يحب اللعب الجميل والأداء الراقي، منحت قلوبها للعلم الفلسطيني، وتجمهرت مُعلنة رفضها الانحياز وتمديد الوقت ومحاولة قلب النتيجة الحتمية، وكان -وللأسف-نصيب البعيد منها أكبر من القريب، وغدًا ستُرفع الأقلام وتجف الصحف، ويوضع الميزان، ليُرفع الشجاع ويرمى من ضعف، وسيحفر على كأس البطولة فريق غزَّة، المتوج باللقب والأفضل في اللعب، والأمثل في الروح الرياضية، وصاحب الكرة الذهبية والحذاء الذهبي، وأفضل حارس عن حياض الإنسانية والمقدسات، وأجمل هدف؛ طفلٌ رفع علامة النصر من تحت أنقاض العالم الغارق في "النتانة"، والله غالب.