توحشت إسرائيل عندما مات الضمير الإنساني

حمد الحضرمي **

حقوق الإنسان لدى الدول الكبرى في العالم، ما هي إلا شعارات براقة لا تجد لها أي أثر أو تطبيق على أرض الواقع، خاصة في وقت الحروب والشدائد والأزمات، وتكون لديهم ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، عندما يكون المسلمون فيها هم الضحية.

فأين هي الآن هذه الدول العظمى التي تناشد ليل نهار بحقوق الإنسان، أين هي من حرب غزة، التي فعل الصهاينة بأهلها كل الأفاعيل المحرمة والمجرمة دوليًا، وما زال شلال الدم الفلسطيني ينزف متدفقًا على أيدي عصابات الجيش الصهيوني الذي يجد الدعم والرعاية والتشجيع من مُعظم الدول الكبرى في العالم رغم فظاعة الجرائم التي يفعلونها.

حرب الصهاينة على غزة فضحت أمريكا ودول الغرب، حيث ساوت فيها هذه الدول مع إعلامها غير النزيه،  ساوت بين الضحية والجلاد، وقد دعمت هذه الدول إسرائيل في العلن، وثبت بالصوت والصورة بأن كل قيادات أمريكا ومعظم الدول الكبرى قد زارت إسرائيل لدعمها وتأييدها في حربها ضد غزة، فالرئيس الفرنسي والرئيس الألماني والرئيس الأمريكي ووزير خارجيته ووزير الدفاع وقائد الأركان وجنرالات الجيش الأمريكي كل هؤلاء زاروا إسرائيل وبعضهم متواجد فيها إلى الآن، وأكثر من 2000 مقاتل من قوات النخبة في الجيش الأمريكي، وحاملتي طائرات عملاقة بطائراتها وجسر جوي ينقل ذخائر وصواريخ وبارجتين بريطانيتين وطائرات مقاتلة بطياريها وأسلحة فرنسية وطائرات مسيرة وأسلحة ألمانية ودعم سياسي أطلسي و7 أجهزة مخابرات عالمية، كل هذه الدول وأسلحتها تُساند وتقاتل مع إسرائيل، وغزة لوحدها، فأين العرب والمسلمون عن مناصرة أهل غزة، لماذا تركوهم لوحدهم يقاتلون!

تخيل يا أخي لو كنت تعيش في قطاع غزة، وطوال أكثر من 22 يومًا تتعرض هذه المدينة ذات المساحة الصغيرة إلى سلسلة من الغارات والقصف بالصواريخ والقنابل والمتفجرات من البر والبحر والجو، وتقطع الكهرباء والمياه والاتصالات وخدمة الإنترنت، ولا يتوفر الطعام ولا الشراب ولا الدواء ولا العلاج، تخيل كيف سيكون الوضع، سيكون بلا شك في غاية الصعوبة، فرحماك يا الله بإخواننا وأهلنا في غزة، لأنهم يتعرضون لأصعب مرحلة تمر عليهم في حياتهم.

أين دول العالم؟ وأين الضمير الإنساني الدولي؟ لماذا لا يتدخلون ويوقفون هذه الحرب الظالمة غير العادلة؟ وأين منظمة الأمم المتحدة التي هي منبر لإحقاق الحق، ونصرة المظلوم، وإرجاع الحقوق لأصحابها؟ أم هي ميتة؟ وأين المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وشعاراتها الرنانة بأن السلام والكرامة والمساواة ستعم كوكب الأرض وسينعم بالصحة، وأين المفوضية السامية لحقوق الإنسان؟ التي من ركائزها الأساسية السعي إلى منع انتهاكات حقوق الإنسان في حالات النزاع وانعدام الأمن، والتي تناضل من أجل عالم يتمتع فيه الجميع بحقوق الإنسان، وأين منظمة "هيومان رايتس ووتش" أكبر منظمة معنية بحقوق الإنسان، لتُجري تحقيقات تقصي حقائق حول انتهاكات حقوق الإنسان في كل مناطق العالم، لتخرج بنتائج هذه التحقيقات لتنشرها عبر أجهزة الإعلام العالمية، وتحرج هذه التقارير الحكومات التي تهدر حقوق الإنسان أمام العالم بأسره.

وأين هي حقوق الإنسان التي يجب أن يتمتع بها كل إنسان، كحق الحياة والغذاء والتعليم والصحة والحرية والعمل، وهذه حقوق غير قابلة للتجزئة ولا للتصرف، فلا يجب أبدًا حرمان أي شخص منها، وأين هي المواثيق والمعاهدات التي تنص عليها إعلانات حقوق الإنسان العالمية المعتمدة من الأمم المتحدة، أم هي حبر على ورق، أم أصبحنا في دنيا هي شريعة غاب تسحق فيها حقوق الضعفاء في أي وقت وفي أي مكان دون أي رحمة ولا إنسانية ولا عدالة ولا إنصاف ولا حقوق إنسان، وتظهر لنا الحقيقة بكل وضوح، بأنه عندما يسكت العالم أو بعضه عن سقوط الحق في مكان، فاعلموا بأن الحق سيسقط في كل مكان، وستسقط معه الشرائع والتشريعات، لأننا نعيش في زمن الحق فقط لأصحاب القوة والثروة والنفوذ.

الحقيقة الدامغة هي أن فلسطين قد ضاعت من أيدي المسلمين منذ عقود مضت، لأنهم فرطوا فيها ولم يحافظوا عليها، وتتحمل الأمة بأسرها ما آل إليه الحال، وإذا أردنا أن نعيد فلسطين حرة أبية؛ فلا بُد لنا من الأخذ بالأسباب وعدم الاتكال على أنها أرض مقدسة وسوف يُعيدها الله إلينا في يوم من الأيام، ويتوجب على الأمة الإسلامية بأسرها، العمل بجد وإخلاص كلٌ في مجاله وتخصصه، للنهوض بالأمة الإسلامية من سباتها الذي طال، وبمشيئة الله وإن تأخر النصر، وكان صعبًا علينا تحرير فلسطين، فبالعمل والأخذ بالأسباب واليقين والثقة بالله العزيز بأن سننه في الكون كفيلة لنا بالنصر والغلبة والتمكين، وتحقيق آمال الأمة وفرجها القريب، وسوف يُثلج الله صدور أبناء وبنات الأمة الإسلامية عاجلًا أم آجلًا بنصر الإسلام والمسلمين نصرا مبينا، والله على كل شيء قدير.

** محامٍ ومستشار قانوني