انتخابات ترسم المستقبل

حاتم الطائي

◄ الحفاظ على المكتسبات والإنجازات يتطلب حُسن اختيار المُرشّح الأكفأ

◄ التحوُّل الرقمي في العملية الانتخابية يضع عُمان في مكانة متقدمة عالميًا

◄ مجلس الشورى الجديد مسؤول عن إنجاز خطط وتطلعات المستقبل

 

تُشرق اليوم شمس يومٍ جديدٍ على وطننا، وقد استعدَّ في أبهى حلة لانطلاق انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، بعد سلسلة من التحضيرات والتطوير الذي طرأ على المنظومة الانتخابية برمتها؛ سواء تشريعيًا بصدور قانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى، أو تنظيميًا بصدور اللائحة التنظيمية لقانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى، أو إجرائيًا بتشكيل اللجنة الرئيسية للانتخابات واللجان الفنية والإعلامية وغيرها.. فقد تضافرت جهود الجميع على مدى شهور وأسابيع، كي نصل إلى هذا اليوم الوطني.

تنطلق الانتخابات وقد تأهبت جموع الناخبين وعددهم 753690 ناخبًا وناخبة لهذا اليوم، وتعرفوا على مرشحيهم البالغ عددهم  843 مرشحًا من بينهم 32 امرأة، لانتخاب 90 عضوًا يمثلون مختلف ولايات السلطنة، فيما نأمل جميعًا أن يكون الاختيار قائمًا على معايير الكفاءة والنزاهة والخبرات الوطنية، بعيدًا عن أي معايير أخرى غير موضوعية. والحديث عن انتخابات مجلس الشورى يقودنا لتسليط الضوء على عدد من النقاط بالغة الأهمية، نوردها كما يلي:

أولًا: التأكيد السامي على أهمية حسن اختيار المرشح المناسب.. فقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- في اجتماع مجلس الوزراء الأخير على "أهمية قيام المُواطنين كافةً بالمشاركة الجادة في الانتخابات والحرص على اختيار الكفاءات التي يُعوَّل عليها للاستفادة من خبراتها؛ حيث إن قوة مجلس الشورى وفاعليته مرتبطة بمن سيتم اختيارهم وترشيحهم من قبل الناخبين، خاصة وأن المرحلة المقبلة من العمل الوطني تتطلب تضافر الجهود والعمل بطرق مُبتكرة وحديثة، للحفاظ على المكتسبات والإنجازات والإسهام في التخطيط الاستراتيجي والارتقاء بمسيرة التنمية.

وبذلك نُدرك أنَّ قوة المجلس تنبع من أعضائه، لا سيما وأن الصلاحيات التي يتمتع بها المجلس تُتيح له العديد من الأدوات الرقابية والتشريعية، وتجعل من هذا المجلس مؤسسة شامخة تُسهم في تعزيز المسير الوطني نحو الرخاء والازدهار. ولذا.. يقع على عاتق جميع الناخبين والناخبات اليوم، مسؤولية وطنية كبرى، وأمانة عظيمة سيُسألون عنها، وتتمثل في ضرورة اختيار المرشح الأكفأ والأكثر دراية بأمور التشريع والرقابة، من أصحاب الخبرات في شتى مجالات العمل الوطني، وحتى من الشباب الطموح المُثقّف الواعي، المُدرك للتحديات التي قد تواجهنا، والقادر على طرح الحلول غير التقليدية، من أجل أن تنعم عُمان بمزيد من الاستقرار والتقدم.

ثانيًا: التنظيم المُشرِّف للانتخابات؛ إذ نجحت وزارة الداخلية بكل كفاءة واقتدار في أن تُدير المنظومة الانتخابية بطريقة مثالية، قلّما نجدها في أكثر دول العالم تقدُّمًا، وما التحول الرقمي الشامل في العملية الانتخابية إلّا دليل وبرهان على ما أحرزته الوزارة من تطوُّر مُذهل، فلم تعد الانتخابات- كما كانت سابقًا- ليست سوى ازدحام في اللجان الانتخابية، وصعوبة وصول البعض إليها، نتيجة لبُعدها عن مقر سكنه، خاصة المواطنين القاطنين في مناطق بعيدة في الجبال وغيرها. فاليوم يستطيع المواطن التصويت في أي وقت خلال الفترة المحددة، وهو جالس على الأريكة في منزله، أو خلال دوامه الرسمي، أو حتى أثناء ممارسة الرياضة أو السير على الأقدام!! فالمطلوب منه أن يضغط على أيقونة التطبيق الرقمي "أنتخب" على الهواتف النقالة، واتباع الخطوات البسيطة والسهلة جدًا، حتى لأولئك الذين يجدون صعوبة في التعامل مع الهواتف الذكية. والأجمل من ذلك أن إخوتنا وأخواتنا من أصحاب الإعاقة البصرية والسمعية، باتوا قادرين على التصويت في الانتخابات عبر التطبيق؛ حيث قبل أسابيع قليلة، أطلقت وزارة الداخلية النسخة الثانية المُحدّثة من تطبيق "أنتخب"، والتي تتوافر بها ميزات استثنائية تساعد فئة الصُم والمكفوفين على الإدلاء بأصواتهم دون مساعدة من أحد. وهذا في حد ذاته يؤكد مدى حرص الحكومة الرشيدة، ممثلة في وزارة الداخلية، على إتاحة المجال أمام جميع فئات المجتمع لممارسة حقهم الانتخابي، ويؤكد للعالم أجمع إلى أي مدى وصلت حقوق الإنسان العُماني من تقدم وتطوُّر.

ولا شك أن هذا التطور الكبير والتحول الرقمي في العملية الانتخابية، لم ينحصر فقط في مسألة تسجيل الناخبين والمرشحين، ولا عملية التصويت في الداخل والخارج؛ بل أيضًا يمتد ليشمل عملية فرز الأصوات، إذ يتم استخدام خوارزميات وخصائص إلكترونية فريدة من نوعها، تتيح للجميع متابعة الفرز الآلي للأصوات، والتعرف على المؤشرات المختلفة، من حيث نسب التصويت في الولايات، والعدّ اللحظي للأصوات، وكذلك فئات الناخبين.

ثالثًا: دور الشباب والمرأة. لقد برهنت انتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة الدور البارز للشباب والمرأة في الحياة السياسية، من منطلق ما يمثلانه من ثقل مجتمعي وانتخابي كبير، فغالبية مجتمعنا من فئة الشباب والمرأة، ولا شك أنَّ الاستفادة من جهودهم كانت محل اهتمام كبير، سواء من الجهة التنظيمية، أو من جانب المُرشَّحين أنفسهم. وقد لاحظنا كيف أن المرشحين ركزوا في برامجهم الانتخابية على قضايا الشباب، وفي مُقدمتها قضية الباحثين عن عمل، وكذلك قضايا أخرى تتعلق بهذه الفئة. وقد كان من الملاحظ أيضًا أن هناك أعدادًا كبيرة من المرشحين من فئة الشباب، ما يؤكد أن شبابنا قادر على تولي زمام القيادة في مختلف مؤسسات الدولة.

رابعًا: توقعات المستقبل؛ إذ تمثل انتخابات الشورى للفترة العاشرة، خارطة طريق للمستقبل المشرق لعُماننا، لا سيما مع دخولنا مراحل أعمق من تنفيذ الرؤية الواعدة "عُمان 2040"، ومواصلة تنفيذ خطة التنمية الخمسية العاشرة، وغيرها من البرامج والسياسات والخطط الطموحة، والتي تتطلب مجلسًا تشريعيًا ورقابيًا قويًا، يستمد قوته من الصلاحيات التي يتمتع بها، والأعضاء المؤهلين القادرين على تكريس الجهود من أجل رفعة الوطن وعليائه.

ويبقى القول.. إنَّ المسؤولية الوطنية والواجب والأمانة، تحتم على كل مُواطن ومُواطنة، أن يُدلي بصوته للمُرشَّح الأنسب، دون وصايةٍ من أحد، ولا مُحاباة لأحد، فقط إرادة الناخب الحرة المُرتكزة على وعيه وضميره وقيمه الأصيلة؛ بما يخدم مسيرة التقدم والنماء، وجهود الدفع بوطننا الحبيب إلى مصاف الدول المُتقدِّمة خلف القيادة الحكيمة التي لا تألو جهدًا ولا تدخر وقتًا من أجل رفعة عُمان وأن يعيش كل مواطن في أمن واستقرار.