حرب أخرى.. حرب أخطر!

د. مجدي العفيفي

 

لم يعد هناك أدنى شك في أنها حرب أمريكية صهيونية أوروبية على فلسطين الدولة والمجتمع والناس والزمان والمكان والتاريخ والجغرافيا.

وعلى الرغم من وحشية وهمجية هذا العدوان غير المسبوق، فإن هناك حربًا أخرى حربًا أخطر، حربًا أشد ضراوة، وأكثر تأثيرا وتدميرا.. إنها في معتقداتهم وواقعهم المشهود: حرب إعلامية.. دينية.. نفسية..إلكترونية.. ثقافية.. وأشياء أخرى.

في هذه السباق الدموي، والسياق الوحشي، هناك كثير من المغالطات المدمرة التي يقع فيها إعلامنا العربي الكسول وإعلامهم الأجنبي البغيض، اكثرها شراسة وغفلة أن هذه الحرب هي حرب على «حماس» التي يصفونها بكل وقاحة أنها «منظمة ارهابية» وما ذلك بصحيح ولا يمت للحقيقة بأية صلة- وإن انطلت على كثير من المخدوعين- إذ إن الكذب والإفتراء والتزوير والتدليس من الآلة الإعلامية الأمريكية الأوروبية بدأ ينكشف وتسقط الأقنعة بلا حياء أو خجل، حتى ان الناشط البريطاني في حقوق الإنسان كريغ موراي يقول «إذا لم تكن فلسطين دولة فعلى من أعلنت اسرائيل الحرب؟ لا يجوز للدولة أن تعلن الحرب على سجن»، إذا كانت الدولة لا تعلن الحرب إلا على دولة مثلها فهل حماس دولة؟ هذا غير صحيح، إلا إذا كان الكيان الصهيوني مجرد شتات من هنا وهناك، وهذه هي الحقيقة التاريخية التي لا يماري فيها كل ذي حجر.

الحقيقة التي تفقأ عيون المنكرين في الغرب وأمريكا إنها حرب على كل فلسطين، ومن ثم فإن اختزال كل هذه الحرب الهمجية على «حماس» فقط، خطيئة إعلامية وسياسية واجتماعية مستمرة ومستعرة، ينبغي الانتباه إليها والتوقف الفوري عن ترويجها والمشاركة في تسويقها؛ بل الأكثر من ذلك، أنها حرب على العرب والمسلمين والإسلام، والشواهد ماثلة والمشاهد دالة في هذا السياق، بعشرات الفيديوهات ومئات التصريحات من الموالين للكيان الصهيوني من الأوروبيين والأمريكيين، إنها حرب شاملة على أرض فلسطين، ومن يقول بغير ذلك فهو واهم، بل مشارك في تدمير فلسطين أكثر وأكثر، فانتبهوا يا أولي الألباب في الإعلام والسياسة والمجتمع والإعلام، إنها لعبة صهيونية ماسونية مخطط لها منذ زمن بعيد، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

****

هناك في فضاء الميديا حرب ضروس، منصات صهيونية لإطلاق صواريخ نفسية تخدع العالم وتخادع شعوبه ودوله.. مواقع أوروبية تمور بالأكاذيب عن الفلسطيينين، صحف ومجلات كنا نحسبها كبيرة ومحترمة فإذا هي لا تساوي جناح بعوضة، تنشر افتراءات وتحليلات مبنية على الأكاذيب الصهيونية المعهودة، ضمن «الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني» على حد تعبير الفيسلوف الفرنسي رجاء جارودي.

ولننظرإلى هذه هي القاعدة التأصيلية لكل تحرك في المنظور الصهيوني على أرض فسلطين، التي تنبعث من نص «سفر التثنية الاصحاح رقم 20» من (توارتهم المزعومة): «حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح (11) فان اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. (12) وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها (13) وإذا دفعها الرب إلهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف (14) وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتاكل غنيمة اعدائك التي اعطاك الرب إلهك (15) هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدا التي ليست من مدن هؤلاء الامم هنا (16) واما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبا فلا تستبق منها نسمة ما (17) بل تحرمها تحريما الحثيين والاموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما امرك الرب إلهك (18) لكي لا يعلموكم ان تعملوا حسب جميع ارجاسهم التي عملوا لإلهتهم فتخطئوا الى الرب إلهكم (19) اذا حاصرت مدينة اياما كثيرة محاربا اياها لكي تاخذها فلا تتلف شجرها بوضع فاس عليه. انك منه تاكل. فلا تقطعه. لانه هل شجرة الحقل إنسان حتى يذهب قدامك في الحصار (20) واما الشجر الذي تعرف انه ليس شجرا يؤكل منه فاياه تتلف وتقطع وتبني حصنا على المدينة التي تعمل معك حربا حتى تسقط (21) ».

من هذه المأساة.. نرى هذا المشهد لجندي صهيوني يصرخ: «لقد قتلت بيدي من أجلكم أكثر من أربعين إنسانا، وأنتم تقولون إن الإرهابيين تلطخت أيديهم بالدماء ثم ترفضون إعطائي حق العلاج النفسي، لذلك أنا أشتكي وأصرخ بسبب الصدمة التي عشتها، أنا أتبول ليلاً في فراشي من الخوف، لأنهم يأتون لي في كوابيسي يسألونني لماذا قتلتنا؟».

****

الفدائيون الفلسطينيون، ومعهم كل أبناء فلسطين قاطبة، هم الذين ينتزعون الأقنعة الأمريكية والأوروبية التي تزحف يوميا إلى الكيان الصهيوني وتقدم له الولاء ولكن هيهات.. أبناء فلسطين هم فقط القادرون على الدفاع عنها، وصورة من الرعب الكامن والظاهر في كل صهيوني على أرض فلسطين، بألف معنى وألف مقال وألف كتاب.

إن عظمة المقاومة الفلسطينية عنوان كبير وخلاق يفكر بعمق لما يحدث.. وسنرى.

****

في سياق الدم الفلسطيني ووحشية الآلة العسكرية الصهيونية، استوقفتي هذه العبارة العميقة في «مذكرات السلطان عبد الحميد» لعلها تطفىء بعض علامات الاستفهام والاستهتار والاستنكار: «لليهود قوة في أوروبا أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول الأوربية تحبذ هجرة اليهود إلى فلسطين لتتخلص من العرق السامي الذي زاد كثيرا... ولكن لدينا عدد كاف من اليهود، فإذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي متفوقا؛ علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين وإلا فإن اليهود إذا استوطنوا أرضا تملكوا كافة قدراتها خلال وقت قصير، وبذا نكون قد حكمنا على إخواننا في الدين بالموت المحتم» (!!).