"كونوا عمانيين قدر المستطاع"

 

عبدالعزيز بن صالح الفهدي

كنُت ضمن الحضور لمنتدى القيادة والإدارة والاستثمار الذي عُقد في شهر يونيو الماضي بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض، وكانت بمثابة فرصة للإجتماع بشخصيات مهمَّة وملهمة ومن روّاد هذا المجتمع.

وفي إحدى الجلسات الرئيسية تلقَّيتُ نصيحةً لن أنساها أبدًا من الرئيس التنفيذي لمطارات عمان الشيخ أيمن الحوسني، وهو رمزٌ من رموز القيادة والإدارة في عُمان، حين وجَّه نصيحته للحضور فقال: "كونوا عُمانيين قدر المستطاع"، ولقد كان لهذه العبارة البسيطة والمقتضبة وقعًا على نفسي، وفي واقعي؛ إذ تزداد رسوخًا بصورة مستمرة. لقد جسَّدت هذه العبارة بالنسبةِ لي جوهر القيادة الحقيقية والإدارة الفعَّالة؛ لأنها تذكِّرني بمقولة دوايت ديسموند: "القيادة هي فنَّ جَعْلِ الآخرين يريدون القيام بما تريده"؛ أَي أنَّ عليك كقائد معرفة كيفية إقناع طاقم عملك بعمل معين بطريقة مناسبة، وأجد ربط الشخصية العمانية ببيئة العمل هي فكرة قيادية تُدَرَّس لعمقها.

لم تكن تلك العبارة مجرد كلمات؛ بل هي مفتاح لتحقيق النجاح والازدهار في مجال الإدارة، تذكرني دائمًا بأهمية الالتزام بالقيم الوطنية، والتفاني في تحقيق الأهداف الوطنية العُليا. ومنذ ذلك اليوم، أصبحت هذه العبارة جزءًا لا يتجزأ من طريقة تفكيري وسلوكي في مجال الإدارة، بل إنها تحِّفزني دائمًا لتحقيق الأفضل، وتحمِّلني واجب الالتزام نحو وطني بكل شغف.

سأضربُ الأمثلة في هذا المقال حول الكيفية التي يمكن أن تكون بها شخصية العماني الأصيل من بين أفضل الشخصيات في بيئة العمل، فللعماني الأصيل صفات تجعله قيمة مضافة وإيجابية لأيِّ بيئةِ عمل إذا ما عَمِل على توظيفها في إنجاح المؤسسة التي يعمل بها.

في عام 1840، أبحر أحمد بن نعمان الكعبي مبعوثًا من سلطان عمان إلى نيويورك على متن السفينة "سلطانة" إيذانًا ببدء العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التحديات والمخاطر التي واجهها أحمد بن نعمان في رحلته البحرية الشاقة، فإن عزيمته القوية والتفاني في خدمة بلاده ساعدته على النجاح في مهمته كسفير عماني إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقبل رحلة ابن النعمان، وفي النصف الثاني من القرن الهجري كان التاجر العُماني عبدالله بن مسعود أول عربي يصلُ إلى كانتون بالصين ويقيم علاقات مع الصين. تجسِّد هاتان الرحلتان الصورة الرائعة للعمانيين في أنهم أصحابُ هممٍ لا تبارى، وطموحات لا تُحَد إذا ما وضعوا نصب أعينهم قيمُهُم العُليا كعمانيين وطنيين مخلصين لأرضهم.

ويتضح لنا جليًا من سابق الأمثلة ومن واقعنا الحالي للذكاء العاطفي للعماني حينما يسعى لتوظيف سماته الشخصية والاجتماعية في بناء جسور ثقافية وعلمية واجتماعية مع الآخر، ويمكّنه هذا من التعامل بكفاءة مع مختلف الخلفيات الثقافية والعرقية والدينية. هذه القدرة على التفاهم والتناغم تبرز جليًا في قول أشرف الخلق محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لأحد مبعوثيه: "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك". هذه العبارة تعكس قيم الضيافة والتسامح والقبول اللاتي تتسم بها شخصية العماني الأصيل، وتجعلها مثالًا للكرم واللباقة في التعامل مع الآخرين.

ومن هنا يتجلى لنا مفهوم الولاء المؤسسي؛ حيث يُعرَف الفرد العماني بأنه مواطن مخلصٌ وفيُّ لوطنه. وعلى هذا السياق يجب ان يوجّه هذا الإخلاص لإنتاجيته في العمل ومساعيه في إتمام الأعمال المسندة إليه في مؤسسته على أكمل وجه، ومن هنا تتقدم جميع القطاعات في البلاد ويتطور الإنسان مما يُسهم في تقدم المجتمع ورخاءه وعُلوِّه.

هذا الولاء المؤسسي يعكس الالتزام العميق بالوطن والشعور بالمسؤولية الاجتماعية، مما يحقق النجاح والازدهار للفرد وللمؤسسة على حد سواء.

إن عبارةً بسيطة الكلمات يقولها أحد المُلهمين قد يكون لها أثر عميق في نفس المستمع، كمثل هذه العبارة التي قالها الشيخ أيمن الحوسني والتي قد يكون لها أثر على آخرين كما كان لها أثر عليَّ يتردَّد صداهُ منذ ذلك الوقت، ولا شك أن أثرهُ سيكون بارزًا في جهودي التي أسعى لتقديمها لنماء وازدهار وطني الحبيب عمان.

تعليق عبر الفيس بوك