غزة العزة

فاطمة هبيس الكثيري

شاب فلسطيني بدموع ترقرقت في عينيه قالها صراحة "حسبي الله ونعم الوكيل والله لن نسامحكم".. عبارة تهز وجدان كل حر إن كان هناك حر أو كان يوجد معنى للحرية أمام كل ما نرى من مناظر يشيب لها الولدان.

سر صمود غزة يتجلى في قوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم".. لكن ماذا أعدت الأمة الإسلامية من قوة؟ والله يقول في محكم التنزيل "فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى". فهل تملك الأمة اليوم الإيمان بهذه الآية؟ وهل نجد ترجمة لذلك على أرض الواقع؛ بل خذلان نشهده من العالم الإسلامي تجاه إبادة إخواننا في غزة من قبل الصهاينة وإنه لأمر مؤسف للغاية، ودليل ضعف هذه الأمة. بينما أهل فلسطين تأهبوا بما استطاعوا من قوة.

إرادة ممتزجة باليقين التام بالله تذيب قوة المدافع وقوة الصواريخ، والإيمان الذي لا يتزعزع وصلابة الصمود حتى لو انهارت على رأسك أسقف وجدران مبانٍ عجزت أن تكون مثلك.

وعندما تختلط الدموع بالزغاريد ويرقص القلب بين أضلعك فرحاً بالاستشهاد ويعتصر أحيانا أخرى لفقدان عزيز، وعندما تعانق الموت وتعشق أنفاسك رائحة آتية من عالم آخر، ترى فيه خلاصك من آلامك لسنوات عجاف، وحين تدرك أن الحياة مجرد ركام من الأحجار يتخللها بعض التراب، وعندما تصبح أبخرة الحرائق تعلو على أكسجين الحياة، وعندما تستنشق رائحة الدماء من كل مكان يحيط بك، عندها يستحيل أن يهزمك الخوف أو تؤلمك القنابل أو رصاصة خارجة من عدو غاشم، ولن يؤثر فيك نظرة تشًفي من حاقد أو طامع، أو أكاذيب حيكت بعناية لتشوية إنجازاتك أو عتاد جلب من حليف منافق. إرادة الحر المؤمن بقضيته ودينه لن يهزمها تحالف الخلق جميعاً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشي لم ينفعوك إلا بشي قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشي لن يضروك الا بشي قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف".

من يؤمن بهذا الحديث لن يخشى أحدا ولن يهاب أحدا ولن ينتظر شيئاً من أحد لأنه يعلم أن اجتماع الخلق ضده لن يضره ولن تكون إلا إرادة الله فقط، والمؤمن يعلم أنه بكل الأحوال منتصر؛ فموته شهادة والفوز بالجنة وبقاءه ضمن إرادة الله لإكمال رسالته التي لم تنتهي بعد على الأرض.

والغزاويون يدركون هذا جيدا، لذلك هم صامدون دون عتاد ولا أسلحة سوى سلاح واحد وهو الإيمان واليقين بالله مهما تكالبت عليهم الأمم.

العاقل لا يخشى على الفلسطينيين من الهزيمة أو الاستسلام أو الفناء، لكن الخوف هو ماذا سيسطر التاريخ عن الأمة الإسلامية والعربية خاصة للأجيال القادمة؟ وما العبارات المناسبة لتوضع على ورق الحياة من تاريخ أمتنا العظيمة كما ندعي؟ وبأي مجد سيفخر أبناء هذا الجيل وما يتبعه من أجيال عندما يقرأون عن إنجازات أمة محمد في القرن الحادي والعشرين؟

في عصر التطور والتقدم والوفرة المعرفية عصر التكنولوجيا عصر العلوم والتقنية والرخاء الاقتصادي، العصر الذي أصبح كل شيء ممكنا ومتاحا تعلم وتغيير كل شيء في لمح البصر ليشمل حياتك  معتقداتك وأخلاقك.

إن الخطى تتقدم بسرعة مهولة وكأنها تستعجل النهاية أليس كذلك؟

إن الموت أصبح هو الآخر في عجلة من أمره لإراحة الأرواح المقهورة منذ سنوات طويلة وكل ذلك ضمن إرادة الله ورحمته بعباده. لكن السؤال الذي أصبح يفرض نفسه من نحن  بين الأمم؟

هل أضعنا هويتنا؟ فقد كنا نفتخر سابقاً بالفتوحات الإسلامية وببطولات العرب والمسلمين ونصرتهم للمظلوم، فبماذا ستفتخر الأجيال القادمة؟ وبأي مداد سيدون تاريخنا يا أمة التوحيد؟ هل بمداد من ذهب أم بماء العين سيبل الورق؟ أم بدماء الأبرياء سيخط على الطرقات والحجر؟ أم كيف ستروى تلك الحكايات من أفواه المسنين للصغار؟

تعليق عبر الفيس بوك