المعتصم البوسعيدي
يخجلُ القلمُ فيما يكتب، وتتقاصرُ دون الواجب الحروف والكلمات، وتختلطُ المشاعر في النفس لتُصيبَ الروح وتتلف القلب وتُعطل العقل بما نحن فاعلون، والعينُ تسحُ دموعها ليس على قوافلِ الشُهداء؛ فأولئكَ عند ربهم يرزقون؛ بل لضعفنا وهواننا على النصرة والانتصار، وبعث أمة تراكم عليها الغبار، ضيعت الطريق، وفقدت البوصلة، وأصبحت أكبر إنجازها تنديدًا واعتذار، فلا نامت أعين الجبناء يا غزة، ولا هنأت أُعين الصهاينة يا قدس، ولا أبصرت أعين المتصهينين يا فلسطين يا موطن الأحرار.
لم تعد الرياضة مجرد لعبة؛ هي إحدى أكبر التجمعات البشرية في العصر الحديث، ومتابعوها بالملايين والمليارات، ومؤسساتها كاتحاد كرة القدم (الفيفا) ينضوي تحته أكثر عدد من الأعضاء لمؤسسة دولية، يتفرعون من خلال اتحادات محلية وإقليمية وقارية، ويُضخَ فيه أموال طائلة ومهولة، كما وهناك اللجنة الأولمبية واتحادات اللعبات الأخرى وغيرها من المؤسسات الرياضية، مع إعلام ليس له مثيل يجلب حقوق رعاية بمليارات الدولارات، وبالتالي فالقيم التي تُرفع في الرياضة ذات قيمة عالية ومعايير دقيقة، ولكنها سقطت كما سقط العالم في المواقف الإنسانية، وتعرت حقيقة الغرب ومن والاهم بازدواجية المعايير، وقطع حرية التعبير، والتعامل بمكيالين، واستقطاب الرأي الأوحد، ومحاولة فرض واقع بمسارٍ واحد لا غير، والتلويح بالعقوبات والإيقاف.
تلك الحكاية التي لم نفهما، أو فهمناها وكممنا أفواهنا حتى لا نقولها ونعترف بها؛ لأننا ضعفاء لم يعلمنا البحر معنى الصبر، ولم تُقونا الصحراء مجابهة صواعق الدهر، آنسنا السهول وسمنتنا الحقول، ولم نستفد من التأريخ -تعمدًا-فاتخمنا القهر، وانتفضنا على إخوتنا زمجرة وعض ناب، "وتفرخنا" للغريبِ ريشًا يبردُ ويغوصُ في ماءِ المهانةِ ويُذاب، فهم يتضامنون أقوالاً وأفعالا، ونحن نصمت ذعرًا وخوف منصبًا أو جاهًا أو أموالا، وطالما سُفن نومنا ترسو على شواطئهم بأمان، فمالنا والطوفان، "أخي أنت (عبدٌ) وراء السدود.. أخي أنت (عبدٌ) بتلك القيود".
أحداث غزة يجب أن تحرك المياه الراكدة، وتطلق خيول الفرسان الماجدة، وتضع النقاط على الحروف، فالكذب أكبر سلاح العدو، والتدليس عنوان مبرراتهم، وقد شاهت الوجوه، وكل وسيلة للوصول إلى الحقيقة مُباحة، فضمير العالم لا يستيقظ بالنواح والبكاء، والرياضة طوفان لو عرفنا استغلاله لما ظهر علم أوكرانيا دون علم فلسطين، ولما تعاطفت الجماهير من قول رياضي من هنا وهناك، ونحن حين يقول قائلاً منا، تبدأ معارك الاختلاف والخلاف ونترك النفير إلى المسير دون هدى، ونلتقطُ البعرةَ ونغفل عن البعير.
ما قيمة الشرف العظيم القديم إن دلسته في حاضره الأيادي، ولوثته بالدماءِ الأعادي، فسكت حتى يبلل الريق، وينقذ روحه ويقتل أمام ناظريه الأخ والصديق، تا الله ذلك الموت لا الحياة، رفعت الأقلام وجفت الصحف، وطوفان الرياضة إن لم نستغله فقد حفرنا قبور عزتنا وكرامتنا، ولا عاصم اليوم، وقد نالت غزة شرف الأمة، ووصمتنا بعار الصمت وعدم التمسك حتى بأضعف الإيمان، وكفى بذلك عبرة وشهادة.