تركيع إسرائيل

حاتم الطائي

◄ المقاومة الفلسطينية استطاعت تركيع إسرائيل في أقل من 7 ساعات

◄ "طوفان الأقصى" يمنح الفلسطينيين نصرًا استراتيجيًا غير مسبوق

◄ الإسرائيليون ليسوا أصحاب قضية ولا أرض لذلك هربوا في أول مواجهة حقيقية

سطَّرت المُقاومة الفلسطينية تاريخًا ماجدًا بالأمس، ووضعت قواعد اشتباك جديدة، من شأنها أن تُعيد رسم الحدود وفق شروطها الخاصة، وذلك بعدما فجّرت "طوفان الأقصى" في وجه دولة الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، في معركةٍ عسكرية غير مسبوقة، باغتت بها الكيان المُحتل، وألحقت به هزيمة نكراء، ما تزال صفحاتها تُكتب في مسلسل تركيع إسرائيل.

فمُنذ صباح السبت الموافق 7 أكتوبر لعام 2023، والعالم العربي بأسره يُتابع بفرحة وسعادة تباشير النصر القادمة من أرض فلسطين الأبيّة، تتواتر الأنباء والعواجل على شاشات التلفاز ووكالات الأنباء العالمية، تحوّلت صالات التحرير في المؤسسات الإعلامية، إلى خلايا نحل، الجميع غير قادر على رصد التطورات المتلاحقة.. هجمات على غلاف غزة، واقتحام وتسلُّل للمستوطنات الإسرائيلية، وقتل أكثر من 250 إسرائيليًا وإصابة ما يزيد عن 1500 آخرين، واستمرار زخات الصواريخ الفلسطينية على البلدات والمدن الخاضعة لسلطة الاحتلال.

كل ذلك يؤكد أنَّ المقاومة الباسلة استطاعت في أقل من 7 ساعات أن تُركِّع إسرائيل، تمامًا كما ركعت قبل 50 سنة في حرب 6 أكتوبر 1973، لتنهار مجموعة من الأساطير التي ما تزال تتردد على أفواه الخانعين، من أن الجيش الإسرائيلي "جيش لا يُقهر" وأن إسرائيل دولة متفوقة عسكريًا، وغير ذلك من الأكاذيب الواهية، التي لا تنطلي سوى على السّذج والمُنبطحين، فهذه القوة العسكرية تفتقد للإرادة الصادقة والشعور بالانتماء إلى الأرض، لأنهم محتلون غاصبون.

تُحقق المقاومة الفلسطينية الآن نصرًا إستراتيجيًا للشعب الفلسطيني، بعدما أنجزته من هجمات ناجحة على عدد من البلدات الإسرائيلية، واستطاعت أن تخترق الحواجز التي وضعتها إسرائيل بطول قطاع غزة حتى حوّلته إلى سجن كبير لما يزيد عن مليوني إنسان، محرومين من أبسط متطلبات الحياة. تمكنت المقاومة من أسر أعداد كبيرة من الإسرائيليين، من بينهم قادة عسكريون كبار، وهؤلاء سيمثلون ورقة رابحة في أي مفاوضات مُستقبلية، وستتمكن الفصائل الفلسطينية من تحرير جميع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال، وسيتحقق المزيد من الانتصارات خلال الساعات القليلة القادمة.

الزلزال العسكري الذي ضرب إسرائيل هذه المرة، يختلف تمامًا عن أي عملية عسكرية سابقة نفذتها المقاومة الفلسطينية، ففي السابق كانت العمليات عادة ما تكون ردًا على عدوان إسرائيلي، ما يعني أن دولة الاحتلال كانت تستعد لذلك، إنما هذه المرة، لم تكن إسرائيل مُستعدة، وتعرضت لصدمة لم تحدث لها منذ 50 سنة. هذا الزلزال دفع الإسرائيليين إلى الهرولة إلى المطار والهروب من المستوطنات التي بنوها على بيوت الفلسطينيين بعدما انتزعوا منهم الأرض انتزاعًا.

إسرائيل اليوم تقف عاجزة أمام "طوفان الأقصى" مهما بلغت قوتها العسكرية، تظل تعاني من انهيار المعنويات، فمشاهد الدماء والجثث تملأ أنحاء إسرائيل، والصواريخ التي تضيء سماءها وتحرق أرضها، وجنود المقاومة البواسل المُنتشرون في أرجاء المدن الإسرائيلية، علاوة على حالة الهلع التي لن تُفارق الإسرائيليين لسنوات، كل ذلك يؤكد أنَّ المعادلة السياسية والعسكرية في الأراضي الفلسطينية تغيّرت تمامًا، وأن معادلة جديدة وقواعد أخرى ترسّخت، ألا وهي أنَّ النصر يتحقق بأيدي الشعب الفلسطيني، ذلك الشعب الذي يُعاني منذ عقود طويلة من التدمير والقتل والتهجير واغتصاب الأرض، وانتهاك المقدّسات، وفوق كل ذلك غياب أي دعم إقليمي أو دولي، إلا ما ندر.

اليوم فلسطين تنتصر على إسرائيل، ولأول مرة في تاريخ الصراع، يزيد عدد القتلى الإسرائيليين على عدد الشهداء الفلسطينيين، رغم فارق القدرات العسكرية، ورغم فارق الإمكانيات، لكن يظل للفلسطينيين التفوُّق المعنوي والنفسي، بينما الانهيار والرعب يُدمي قلوب ونفوس الإسرائيليين المُحتلين.

لقد غمرتنا الفرحة كذلك بالبيان التاريخي لسلطنة عُمان، والذي أكدت خلاله أنَّها تتابع باهتمام وقلق التصعيد الجاري بين الجانبين، لكن الأهم أن دبلوماسيتنا العمانية الراسخة عزت هذا التصعيد إلى "استمرار الاحتلال الإسرائيلي اللامشروع للأراضي الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية المُستمرة ضد المدن والقرى الفلسطينية"، مُشددة على أنَّ كل ذلك "ينذر بتداعيات خطيرة وتصاعد حدة العنف". ولم يتوقف البيان عند ذلك الحد، بل دعا "المجتمع الدولي والأطراف الدولية الداعمة لجهود استئناف عملية السلام للتدخل الفوري لوقف التصعيد الجاري والاحتكام إلى قواعد القانون الدولي، مع التنبيه مجددًا والتأكيد على الضرورة الاستراتيجية لإيجاد حلّ عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية". هكذا هي الثوابت الوطنية العُمانية التي تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وتحقيق السلام الشامل والدائم في فلسطين.

ويبقى القول.. إنَّنا أمام لحظة تاريخية فارقة في مسيرة هذه الأمة، لحظة غير مسبوقة؛ فالانتصارات التي تتحقق على الأرض الفلسطينية، تؤكد أن النصر بالفعل "قد أتى"، وأن الغضب الفلسطيني انفجر في وجه المُحتل الغاصب، لذلك آن الأوان أن تتلاحم كافة الفصائل الفلسطينية، وأن نرى وحدة فلسطينية حقيقية دون خلافات سياسية، فالتاريخ يُكتب الآن.