كم شخصية تمتلك؟!

 

الطليعة الشحرية

(1)

 

"هو شخص آخر، أصبح مختلفًا".

جملة تتكرر عند مُقابلة غائب أو مرور فجوة زمنية بين الشركاء في الحياة. تمر السنوات والتغير حال ليس من المحال؛ قد يرافق التغير الشكوى ذاتها من الاختلاف. شريكك في الحياة، في العمل، الصاحب المؤنس جميعهم قابل للتغير، الجميع يتحول إلى شخصٍ آخر.

التحول إلى شخصٍ آخر هو كالمرور في تثقب أسود ينتهي بك المآل أن تقف أمام شخص قد يعجبك أو لا يعجبك، وبشخصك الجديد قد لا تتفق مع شريكك في الحياة أو العمل فتتسع الفجوة.

ولكن كم شخصية تمتلك؟

(2)

من منَّا ثابت؟!

لا أحد ثابت الكل قابل للتغير أما بالطرق أو بالفرد فالأحداث التي يمر بها الإنسان تغيره شاء أم أبى، لن تجدي حالة التصلب والتجمد ورفض التغير؛ بل من الأفضل الإمساك بزمام الأمور وتحديد الوجهة والمرسى. واختيار الاستمرار في مشاركتك المسار مُتاح.

كل العلاقات الاجتماعية كالصداقة والجوار والزمالة قابلة للتغير؛ بل من المستحسن في الكثير من الأحيان تغير مُحيطك ومراجعة رصيد علاقاتك وفلترتها. أخطر رابط بين تلك العلاقات هي رابط الزواج فعدم تقبل أو مواكبة تغير أحد الأطراف يصنع فجوة في مساحات التغير التي لا تطوى إلا بانفصال. إذن فالتغير يؤدي إلى الاختلاف الذي بدوره قد يؤدي إلى الانفصال، فهل يجب مُقامة التغير؟ أعتقد أنه يجب أن ينتابك القلق إذا لاحظت أنك لا تتغير.

(3)

الليلة المُظلِمة

الترحيب بالأزمات واجب وإن خلفت الندوب، فهي بالتأكيد ستغير سلوك أو فعلك أو طريقة تفكيرك والأهم ستكشف أوجه باسمة ومسمومة ومدسوسة محيطة بك، بل قد يرتبط البعض بإحدى الشخصيات السّمية.

نحتاج إلى بعضٍ من الخسارة وبعضٍ من العداوة؛ تلك الأزمات والصدمات هي بمثابة جلسات إنعاش للروح. كيف لروحك أن تشفى إن لم تشق؛ الكل يحتاج إلى ليلة مظلمة ليتعلم كيف يُسافر بذاته ويرتقي بها. الصدمات تتبعها صحوات لعوالم خفية لم تبصر الحياة بعد.

فمن رأى حقيقته الداخلية؟ من يعلم أنه أصاب، ومن أخطأ؟ ومن تغير للأفضل أو الأسوأ؟

كبشر التقلب والمزاجية والتغير هي جزء من مراحلنا الإنسانية؛ فقد تجد الفرد ماجنًا في ساعات وعاكفًا في أخرى، كل ذلك يعتمد على كيفية التعامل مع ذاتك والأحداث المحيطة بها، وسرعة التعلم. فهناك من لا يتعلم من أول مرة فيكرر ذات الخطأ فيدخل في أنفاق الليالي المظلمة مرارًا وتكرارًا ليتعلم الدرس الذي لم يستوعب تعلمه عند أول أزمة.

(4)

حينما ننضج

اختَرْ ألّا يشهد أحدٌ على معاركك مع أزماتك، ولا تسمح لأحد أن يطبطب على قلبك غير يدك، وإن كنت تتمزق داخليًا. وبعد أن تنجلي الليلة المظلمة اسخر من جميع أوجاعك قبل أن يسخر الآخرون منها، وتعلم أن تكتم ما ترغب وقُل ما يكفي دون إطالة واعط كل شخص ما يستحق دون إفراط أو نقصان ولا تهتم لما قيل أو ما سيُقال.

ستشهد ثرثرات كثيرة مفادها "تغير، كُنْ شخصًا آخرَ"، ومع الوقت سترحل دون أن تنظر للخلف فالكثير من الأشياء التي تهمك بالأمس لم تعد تعنيك اليوم. ستنشغل بذاتك وتتجدد قناعاتك وفق ما يتطلبه الأمر وليس وفق رغباتك.

سيأتي وقت تتعامل فيه بعقلٍ كنت تخاله قاسياً، فقد كنت فيما مضى تغفر مرة ومرتين وأربع أما اليوم فأصبحت تتخلى الثالثة.

(5)

معادلة العلاقات

أول علاقة يجب أن نوليها اهتمامًا هي علاقتنا مع ذواتنا، وتقبُّلنا لأنفسنا غير الناضجة والكاملة والقابلة للتغير، وتلك أول خطوة في رحلة استكشاف الذات. الطريقة التي ننظر بها إلى ذواتنا تسقط تلقائيًا على علاقتنا بالآخرين، إن كنت ترى نفسك طيبًا سترى الجميع بذات النظرة، وإن كنت تنظر إلى ذاتك بقصور ونقص ستتحول إلى شخصٍ غيور يحسد الآخرين.

كل العلاقات وتأثيرها وإسقاطاتها المباشرة وغير المباشرة تجمعها المسافة؛ فالمسافة تشكل العلامة الفارقة في العلاقات. المسافة الجغرافية والمسافة الفكرية المسافة الروحية في فهم واقع التغير الضروري وإن كان قاسيًا.

رحلة الإنسان مع الذات تتطلب تغيرًا لينضج وليصنع منه نسخًا أجد هو من يحدد إن كانت أفضل أو أسوأ حسب المسار الذي سيسلك، وعليه فليتعلم فن إدارة علاقته مع ذاته ومع الآخرين..

والآن هل لك أن تسأل: كم شخصية تمتلك؟!