في زمن "البوتيكس"!

مدرين المكتومية

من المؤسف أن الجمال الطبيعي لم يعد ذا معنى في عصر البوتيكس والفيلر وغيرها من عمليات التجميل الاصطناعي، التي تحولت إلى صرعة (موضة) تقلّدها الفتيات، وحتى الشباب، من أجل أن "يكونوا على الموضة"، فرغم أن هناك أشخاصًا كثيرين يتمتعون بجمال طبيعي، إلّا أنهم يحرصون على إجراء عمليات تجميلية، ولم تعد هذه العمليات متقصرة على الفنانات والمشاهير؛ بل صار الكثيرون من الفئات المجتمعية العادية يقومون بها!

الذي دفعني للكتابة عن هذه المسألة، أنني كنتُ أتنقل بين قنوات التلفاز فشاهدتُ فيلمًا مصريًا قديمًا على قناة متخصصة في عرض كلاسيكيات السينما العربية، وأدهشني بشدة جمال الفنانات اللائي كنَّ يظهرن في صورة بديعة بأقل قدر من مساحيق التجميل "الميكاب"، حتى تصفيف الشعر لم يكن مبالغًا فيه كما هو الحال الآن، ولا لون الشعر، لأن التصوير وقتها كان بالأسود والأبيض. الحقيقة أنني من شدة إعجابي تسمّرت أمام هذه القناة وشاهدت فيلميْن متتالين، الأول من بطولة سندريلا الشاشة العربية سعاد حسني، والثاني كان من بطولة مجموعة من الفنانات المتألقات في ذلك الزمن، ومنهن أذكر الساحرة الجذّابة مديحة كامل، والمتألقة حتى النهاية رجاء الجداوي، والمُثيرة ناهد شريف، والأنيقة جدًا ماجدة الخطيب. طبعًا ليس هناك جمال يُضاهي جمال السندريلا سعاد حسني؛ سواءً في الموهبة الفذّة أو في خفة الدم والأداء الإبداعي في التمثيل أو الغناء بصوتها العذب. سعاد حسني لم تلجأ يومًا إلى عمليات تجميل، حتى عندما شاخت في العمر وظهرت في آخر أيامها في أعمال درامية وسينمائية- خصوصًا مع الراحل أحمد زكي- كان جليًا على ملامحها تجاعيد الوجه وامتلاء الجسم في ظل الوزن الزائد، حتى قيل إنها في آخر أيامها عانت من سمنة مُفرطة! بعدما كانت نموذجًا في الرشاقة واعتدال القوام. ومن المؤسف أن هذه الفنانة لاقت حتفها بصورة مأساوية، عندما عُثر عليها صريعةً في أحد أحياء لندن ببريطانيا، بعدما زعمت تقارير الشرطة آنذاك أنها "انتحرت بإلقاء نفسها من شرفة منزلها"! وهذه قصة ربما أتحدث عنها في مقال آخر؛ حيث إن وفاتها شابها غموض هائل، خاصة وأنها كانت قد هددت بكتابة مذكراتها وفضح بعض الأشخاص الفاسدين في السلطة في مصر وقتذاك.

بعدما انتهيتُ من مشاهدة هذين الفيلمين، تفكّرتُ في أمر عمليات التجميل، وتساءلت لماذا تلجأ فتاة على قدر معقول وربما جيد وحتى ممتاز من الجمال، لإجراء عملية تجميل اصطناعي، ولماذا هذا الإقبال الكبير من الفتيات في سن صغيرة (عادة يكن دون 26 سنة) لخوض مثل هذه التجارب. وقد بحثت في الأمر وتأكدت أن المسألة لا تعدو كونها انسياقاً أعمى وراء الموضة، بزعم مواكبة العصر والسير على خطى المشاهير، وكأن هؤلاء المشاهير هم القدوة والمثل!

الغريب في الأمر أن المسألة انتقلت إلى الشباب الذكور، فتجد شابًا يُجري عملية نحت للفك في الوجه، كي يبدو أكثر وسامة، وأكبر مثال على ذلك الفنان المصري أحمد سعد، الذي أجرى جراحة في عظام الفك كي يظهر بمظهر مختلف. وأيضًا الفنان تامر حسني وأحمد عز وغيرهم كُثُر.

في السابق، لم تكن الفنانات يحتجن حتى إلى عمليات تقويم الأسنان، ولا لنحت الجسم، ولا لاستخدام الفيلر والبوتيكس لتكبير حجم مناطق معينة في الجسم، خاصة الشفايف والخاصرة؛ لأن الجمال لم يكن ماديًا بهذه الصورة الشنيعة التي نجدها الآن، والتي للأسف تقلل من شأن المرأة ولا ترفع من مكانتها.

إن الجمال الحقيقي هو ذلك القائم على التعامل اللطيف والمُهذّب مع الآخرين، الجمال جمال الروح والعقل، يتجلى في الشخصيات التي تنعم بسلام تام مع النفس ومن حولها، إنه جمال يعكس نقاء القلب من أي شائبة، لأنه قلب خالٍ من الغيرة السلبية والحقد والحسد وكل أمراض النفس وعللها.

ودائمًا أقول.. كونوا أنفسكم ولا تحاولوا اصطناع شخصية هي ليست لكم، لا تبخلوا على ذواتكم بالحب الصادق للنفس، وليس ذلك الخداع القائم على النفاق الاجتماعي والرياء، ابتعدوا عن مصادر الضغط النفسي كي تظل بشرتكم تنعم بالنضارة والجمال. لون البشرة لا علاقة له بالجمال، فكم من ملكة جمال على مستوى العالم كانت من صاحبات البشرة الداكنة، وكم من جميلات صاحبات بشرة فاتحة يحملن سوادًا في نفوسهن أشد حلكة من الليل البهيم. وأخيرًا.. الجمال أن تُبصر الدنيا بعين راضية، وتخالط النَّاس بأخلاق رفيعة، وأن تسعى في مساعدة الآخرين دون انتظار مقابل، وكما قال الشاعر الكبير إيليا أبو ماضي " كُن جَميلًا تَرى الوُجودَ جَميلًا".