"إن مع العسر يسرًا"

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

قبل سبعينيات القرن الماضي، كانت الحياة صعبة في البلاد، مع ضيق الحياة في ظل الفقر، وقلة الفرص المعيشية المُيسرة، إلى أن أتى عام السبعين على عُمان بعهد زاهر جديد وتحول العسر إلى يسر.

ولذا ترى مواليد السبعينيات والثمانينيات يعيشون حياتهم مُرتاحي البال، هادئي الحال، معتمدين على ذواتهم بما كونوه من مالٍ في خير واستقرار. أما مواليد التسعينيات والألفين؛ وهم الآن في الثلاثينات والعشرينات من العمر؛ فيعيشون الصعوبات المعيشية والتعقيدات الدنيوية في أحيان كثيرة لعسر الحال.

وعكس مواليد السبعينيات والثمانينيات الذين هم الآن في الخمسينيات والأربعينيات من أعمارهم فيعيشون في رضا وسعادة؛ بما وصلت إليه أحوالهم، فقد استطاعوا تكوين أنفسهم في زمن الفرص، وهؤلاء الذين بدأوا سعيهم في عهد جديد وصوت المذياع يصدح بخطبة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- "ساجعلكم تعيشون سعداء"، هؤلاء عاشوا حياتهم في فترة كانت أمور الحياة سهلة مع تدفق النفط على البلاد؛ فتعلموا واجتهدوا ونالوا وما زالوا.. فتسهلت لهم الحياة دون تعب أو مُعاناة؟

وكان هؤلاء مواليد السبعينيات والثمانينيات إذا حصلوا على الشهادة العامة ولم يرغبوا في استكمال الدراسة الجامعية؛ فالالتحاق بالجهات العسكرية والأمنية متوفر، وأبوابها مفتوحة للتوظيف؛ ليضمنوا الوظيفة فورًا، والتعليم والتدريب على رأس العمل؛ ليأتوا إلى المنزل بزيهم العسكري يفتخر بهم أهلهم وذووهم.

وكان فيما مضى تأتي الوظيفة إليك أحيانًا إلى صفوف الدراسة، ولا تذهب إليها؛ فبعض الوزارات تبحث عن الطلاب في صفوف الدراسة لتعرض عليهم توظيفهم، أما إذا رغب الشاب في استكمال دراسته في الجامعات؛ فالبعثة الدراسية متوفرة، ويكفي أن يكون لديه معدل دراسي في الشهادة العامة بنحو 65% أو أعلى قليلًا ليتم قبوله للالتحاق بالدراسة على نفقة الحكومة، إلى بعثة دراسية في الخارج إلى دولة عربية، وكان البعض يفضل الدراسة في مصر أو المغرب أو الأردن؛ للحصول على شهادة البكالوريوس، ومن لديه معدل 80% فهم من الناجحين الفائزين تُفتح لهم الأبواب للدراسة في بريطانيا أو أمريكا، وما أن ينتهي الطالب من الدراسة الجامعية فيختار أين يتوظف، يُقدم على الجهة الرسمية التي يُريدها وما يلبث إلا أن يحصل على الوظيفة؛ فالشواغر والدرجات المالية متوفرة والخريج الجامعي  وغير الخريج مرحب به للتعيين، وما أن يتعين حتى يبدأ بالتفكير في الزواج وبناء منزل على منحة الأرض الحكومية الحاصل عليها دون فترة انتظار طويلة، أو إذا أراد أن يشتري قطعة أرض فكانت أسعار الأراضي رخيصة جدًا.

وسرعان ما تكتمل الصورة ويتحقق حلم الشاب بوظيفة ومنزل وسيارة وزوجة وأبناء في مجتمع يعيش فيه بأمان، والإنسان القانع السوي لا يُريد أكثر من ذلك، وأكثر من ذلك زائد عن الحاجة وزيادة.

وكذلك المرأة الشابة في تلك الفترة لم تكن أقل حظًا ولا شأنًا من الرجل ولها نصيبها من الخير العميم.  

ومرت السنون وهذا الجيل السعيد من مواليد السبعينيات والثمانينيات والذي أصبح الآن في الأربعينيات والخمسينيات من العمر ناجحًا في تكوين حياته دون صعوبات أو مُعاناة ليعيش هانئًا بما تبقى من عمره.

إنما الجيل الذي أتى بعدهم مواليد التسعينيات والألفين والذين هم حاليًا في الثلاثينيات والعشرينيات من العمر، عاصروا الأزمات الاقتصادية وتأثرت جميع البلدان بهذه الأزمات، وبطبيعة الحال تتأثر الدولة حين يتأثر الاقتصاد وذلك ألقى بتبعاته على الأفراد.

فبدأ يشعر الفرد بعدم وجود الفرص للتقدم والتطور الشخصي؛ فالبعثات الدراسية عددها قليل، ومن لديه معدل "جيد جدًا" يلتحق بالبعثات الداخلية في البلاد، وقد لا يحصل على التخصص الذي يناسبه، وعند التخرج يجد صعوبات كبيرة في توظيفه؛ لعدم وجود درجات مالية تدعم هذا التوظيف، والبعض يصبح باحثًا عن عمل لسنوات طويلة، ويتلاشى لدى بعضهم حلم الحصول على وظيفة وشراء منزل أو شقة والزواج والاستقلال بنفسه وتكوين أسرة لتسير به الحياة طبيعيًا. وأعداد الخريجين في ازدياد سنويًا ولا توجد وظيفة للشباب إلّا قليلًا، وبالتالي لا يُوجد مال، وحين لا يوجد المال تتعطل مسارات الحياة الشخصية، فكيف يصرف على نفسه وأسرته لتمضي الحياة دون عراقيل وآلام؟!

ومع انطلاق العهد الجديد منذ أكثر من 3 سنوات تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- فالجميع متفائل بالخير لما تشهده البلاد من خطوات إصلاحية كبيرة تصب في صالح المواطن، ليتم إيجاد حلول بقدر الإمكان، لكل ما يؤرق المواطن في معيشته وحياته بشكل عام.

ولذلك نقول دائمًا: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا.. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".