الإدراك مفتاح التغيير

 

لينا الموسوي

تجارب الحياة كثيرة ومحطاتها مُتنوعة، ومن خلالها نمر في مراحل متعددة حسبما كتب وقسم لنا الرحمن تعالى، لكن خلال هذه المحطات العُمرية والتجارب المختلفة الحلوة الجميلة والمرة الصعبة، نخرج بدروس وعبر؛ فنتخبط أحيانًا، غير مدركين ما يحدث في حياتنا؛ مما يجعلنا ندخل في حيرة نفسية لصعوبة حل ما يُحيط بنا من تجارب اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، قد تُفرض علينا؛ حيث تختل الموازين ويصعب اتخاذ القرارات المُهمة فيها.

لكن ما أدركته من خلال تجاربي المتواضعة أن هناك عوامل كثيرة قد تؤثر على اتخاذ قراراتنا الشخصية أو تغيير مسيرتها بالكامل، مثل كلمة نقرأها أو نسمعها؛ فتستوقفنا لنفكر ونحلل أبعادها، فتكون كالقشة التي تأخذنا إلى بر الأمان أو تغرقنا في بحر عميق.

في يوم ما، وقعت عيني على كُتيِّب لخبير الموارد البشرية الراحل إبراهيم الفقي- رحمه الله- بعنوان "الإدراك وتأثيره على حياة الفرد"، فأخذت أتبحّر في هذه الكلمة بعمق وأتحسس معناها وأسترجع ذاكرتي إلى بعض التجارب التي مررت بها خلال محطاتي العمرية، وأيقنت أني لم أدرك أو أتحسس بعض المشكلات آنذاك، لذلك لم أكن قادرة على اتخاذ القرارات والحلول المناسبة لها.

في اعتقادي أنَّ السبب قد يعود إلى الأسلوب المجتمعي الذي كان- وما زال- يتوجه باتجاهه سلوك المجتمعات الشرقية وجزء من المجتمعات الغربية بصورة عامة في نظامه الحياتي والتربوي في البيت والمدرسة أو نظامه الإداري والعملي في الدوائر الخاصة والعامة، وهو أحد أسباب عدم إدراك أمور الحياة في وقت مبكر.

هذا الأسلوب المجتمعي يعتمد على صيغة الأمر أو النهي مثل كلمة (لا)؛ ليتم الامتناع عن فعل الأشياء من دون إعطاء فرصة للطرف الآخر لتحسس ومعرفة الإيجابيات والسلبيات لهذا الفعل أو إدراكه أو تحمل تجربة مسؤولية عمله.

مثلًا: تعامل الأم مع الطفل ليكون في أفضل في حالة وإعطاء الطفل وقت وفرصة لفهم وإدراك الأمور وتوضيح جوانبها الضارة والنافعة ليتعرف ويفهم حقيقة هذه الأفعال أو التجارب، فيمتنع عنها ولا يقع فيها. كذلك تعامل الأزواج داخل الأسرة، أو المديرين مع الموظفين في بيئة العمل، فإذا لم يفهم الموظف الأسباب التي قد تؤدي إلى عدم تطوير العمل- مثلًا- يصعب عليه إدراك وتحسس السبل الصحيحة لتصحيح الخطأ وفهمه وتحمل مسؤوليته.

أسلوب التعامل مع الحياة في تطور مستمر، وتغير فعلي، بسبب تغير أنواع المشكلات وازدياد تعقيدها، إضافة إلى التغيُّر الملحوظ في سلوك الأجيال الجديدة التي أصبحت أكثر انفتاحًا على مختلف الأساليب وحب المغامرة والتجربة، فقد يكون الأمر مجزيًا لإعطاء فرصة لهذه الأجيال لخوض التجارب ومعرفة ثناياها والتعلم منها؛ فيدركوا ويتحسسوا أبعادها تحت رعاية ووصاية أهل العلم والدراية "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" (النحل: 43).

ما أود قوله إنَّ الكلمة التي وقعت عيني عليها آنذاك وهي "الإدراك"، كانت جوابًا على أسئلة كثيرة دارت في ذهني في ذلك الوقت، عن أسباب عدم فهم ومعرفة كيفية حل المشكلات، وصعوبة اتخاذ القرارات فيها، وقد يكون المفتاح هو إعادة التفكير في أساليبنا التربوية أو الحياتية وتحديثها، ومحاولة شرح أو فهم أبعاد وأسباب أي عمل ومعرفة إيجابياته وسلبياته؛ فتتوسع أذهاننا وتزيد معرفتنا وقدرتنا على إيجاد الحلول مهما تكن صعبة.

تعليق عبر الفيس بوك