المسمى الوظيفي وثوب القداسة

عائشة السريحية

سلطنة عُمان، منذ فجر السبعين من القرن الماضي، وامتدادًا لآفاق البناء والتنمية في عهد النهضة ولغاية اليوم، كانت قيادة وشعبًا، تسعى لوضع أسس تقدمية، تتوافق مع النمط السريع للتطور الحضاري والاقتصادي، وقد أصبحت رؤية "عُمان 2040" الأمل في المستقبل المشرق الذي يسود فكر مجتمعنا العماني؛ بل أصبح إيمانًا راسخًا نعتنقه جميعًا، وتوجهًا نسير على خطاه، وبالفعل لمسنا التغييرات التي حدثت وما تزال  تحدث يومًا تلو الآخر.

ورغم كل هذه الإيجابيات وطلائع الأمل نحو المستقبل بخطى ثابتة ومدروسة، ما تزال  بعض العقول تحصر نفسها في جماجمها الضيقة، التي تقبع فيها بجلاميد لا تتكسر، وآخرون يعلقون هذا المصطلح المتداول كشعار لا يعنيهم شيئًا، سوى وضعه على خطاباتهم الرسمية.

الأمر ليس شعارًا يُطبع على ورق، ولا إجراءً روتينيًا فُرض عليك، بل هو إيمان بتوجه يخدمك ويخدم أبناءك وتُسيِّر نفسك نحوه بكل حماس وإرادة يختلف تمامًا عندما ترتديه كالكمة والمصر لمجرد أنه قانون تتبعه في عملك، وشتان بين الأمرين!

من المؤسف أننا مازلنا نواجه بعض الشخصيات ممن يتقلدون مُسميات وظيفية، كمدير دائرة مثلًا أو مدير عام أو أي مسمى آخر فيه نوع من التكليف والمسؤولية، يتعامل مع المسمى الوظيفي وكأنه  ثوب القداسة، الذي يظن أنه سيمنحه حقًا يجعله يرى ما دونه لا شيء، فيتعامل مع المواطنين وفق مكانتهم الاجتماعية مثلًا، أو المادية، أو القبلية أو العرقية، وأحيانًا وفق المصلحة الشخصية أو المنفعة المتبادلة.

وحين تواجههم بحقيقة الموقف وأن ما يرتدونه اليوم من ثياب القداسة- كما يتعاملون معها- قد تُخلع عنهم غدًا، تأخذهم العزة بالإثم، فيراك دونه، ويتعامل معك وكأنك مواطنًا من الدرجة الثالثة أو مُهمشًا لا تكاد تراه عيناك، فمن أنت حتى تقول هذا الكلام، فيكون ردك أنا مواطن ولله الحمد.  أو يتجاهلك، ويغلق كل أبواب التواصل معك، وكل هذا لأنه لم يعِ بعد معنى "رؤية 2040"؛ بل لم يستوعب ماهية التغيير الذي يسير عليه وطننا، وتوجه حكومتنا، ولم يستوعب أن الأمر أكبر من مسمى وظيفي قد يتغير، لم يرَ الأمر بوضوح لأنه ظنَّ أن العالم كله قد انحصر في دائرته أو مرجعيته الضيقة.

إن في الوطن متسع للجميع، وما وضعت المسميات في الهياكل التنظيمية إلا لخدمة الوطن والمواطن، ولو أن كل مسمى وظيفي خدم صاحبه فقط، لما تقدمنا ولا واكبنا ولا اعتلينا هام السحب.

إن صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- قد صرح بذلك وأولى المواطنين أهمية كبرى؛ بل وقال جلالته- حفظه الله ورعاه- في أحد لقاءاته مع المواطنين، فيما معناه أن المسؤولين ما وُضعوا في أماكنهم إلا لخدمة المواطن وتسهيل أموره.

ونشير إلى أن سلطنة عمان، ما حظيت بصفة دولة السلام، ولا كانت ولم تزل واحة السلم والسلام، ووسيط الخير في كل المواقف الدولية الإنسانية؛ بل أصبحت أهم وسيط سلام على المستوى الإقليمي والدولي، إلّا لأن قيادتها وحكومتها تعي جيدًا معنى البناء الحضاري والإنساني، وتجاوزت مخلفات الماضي وترسبات الظروف التي كانت في حقبات زمنية بعيدة  تعد عراقيل للتقدم والتنمية، واستطاعت أن تتقدم بشكل متواتر وسريع نحو الإصلاحات الاقتصادية والداخلية، وبسبب توجه الحكومة هذا، وكل أبنائها المخلصين وفق رؤية 2040  ظهرت الآثار الإيجابية مزهرة يوما بعد يوم، وأصبح كل المواطنين وخصوصا الشباب ينظرون إلى المستقبل وهم محفوفون بالأمل والتطلعات نحو مستقبل مشرق سيجعل المواطن العماني راضيا وسعيدا ومطمئنا.

إلا أن بعض العقول التي أشرت إليها سابقًا، لم تحاول أن تتقبل مفاهيم هذه الرؤية، ولم تستوعب أهمية العمل بها سلوكا واعتقادا، ولا نقدح في وطنيتهم، لأن لكل شخص مفهومه الخاص عن كيفية خدمة الوطن، وربما أجادوا في أعمالهم، إلا أنهم  قد أصابهم مس من الشيطان، فظنوا أنهم أفضل ممن دونهم، وتعاملوا بفوقية وغرور، وإن لم يعترفوا بذلك، عليهم أن يتخلوا عن تلك القشور القديمة وينضموا بفكر جديد وخلاق نحو آفاق الحضارة والتقدم والبناء، لأنهم بفكرهم هذا وتشبثهم بسوس ينخر على مهل في جسد الوطن، لن يكونوا قد بنوه بل ساهموا في إحداث كسور في نسيجه.

كم نتمنى لو أن مثل مواقف هؤلاء يستطيع المواطن إثباتها، ثم يُجرَّدون من مسمياتهم ويعودون لخانة المواطن الذي لا يرتدي ثوب القداسة، فيجربون ما تجرعه إخوانهم، حين تشابهوا معهم في المواطنة لكن اختلفوا معهم في المسميات الوظيفية.