توأمة المدن

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

 

كل ما نرى في الكون من إنجاز سواءً كان صغيرًا أو كبيرًا، إنما بدأ بفكرة وجدت قبولًا ودعمًا وسخرت لها سبل النجاح، وأخيرًا كانت حقيقة كما نرى، ومع ذلك فإنَّ الأفكار ليست مرحبًا بها دومًا وليست بتلك السهولة التي نتوقع فهناك من التحديات ما يكون له جذور ترتبط بالسلوك العام والرؤية الخاصة بالدول والكيانات وترسبات الماضي والأحداث وبعض العادات والتقاليد.

لذلك فإننا نرى فروقًا كبيرة ومُتفاوتة بين شعوب دول العالم ونرى وبكل وضوح أنَّ بعض الشعوب تعمل بجهد كبير يختلف عن دول العالم الأخرى؛ فالصين مثلًا تقدم للعالم نموذجًا فريدًا في الصناعة والتصدير. وعندما أتيحت لي فرصة مناسبة للقاء سعادة سفيرة الصين في السلطنة طرحت عليها سؤالًا لا أعلم كم مرة سؤلت نفس السؤال؛ إذ قلت لها أتمنى من سعادتكِ الإجابة على سؤالي بكلمتين عن سر النهضة الصناعية للصين، فأجابت: إنها الإرادة والإتقان، ولقد كانت تلك الكلمتان بالنسبة لي مدرسة مُتكاملة من معنى النهضة في جانب ما من حياة البشر؛ فالإرادة ترتبط بالسلوك، والسلوك منهج حياة وطبيعةُ قومًا يعيشون في رقعة من الأرض من آلاف السنين ولذلك نحن اليوم أمام أسئلةٍ وتحديات أكثر صعوبة فكيف لإنسانٍ ما أن يغير من طبيعة يومياته وما يؤمن به في عالم الإبداع والكد والتخصص والعطاء والعمل وكيف للنظم والقوانين ‏والعدالة وأسلوب القيادة أن يخلق الفروق الفعلية بين الأعمال المتواضعة وتلك التي تحمل الإبداع والتطوير ومسايرة التحديات العالمية التي لا تنتهي.

إنَّ التغيير الجذري والواضح في هذا المجال يحتاج إلى الإرادة والرغبة الحقيقية التي يجتمع عليها البشر لذلك، ومن هنا انطلق وعن ثقةٍ كبيرة أن وطننا مؤهل وبقوة أن يتصدر دول العالم في الصناعة والإنتاج بشكل عام؛ لأنَّ علاقة عُمان طيبة مع كل دول العالم والصين بشكل خاص وكذلك فإن ماتزخر به من خامات أولية فكل ذلك.

ومن هنا، فإني أرى أن نقوم بتجربة توأمة المدن ومن خلال ذلك نقوم باختيار مدينة وأن تكون مثلًا على الحدود العُمانية، ولتكن على البحر ووجود مطار وميناء وسوق حرة وشروط دخول وخروج خاصة، وعندما نقوم بتوأمة المدينة الحلم مع مدينة صينية مثلًا، فإن كل ما يخص التجارة والصناعة والإدارة يكون شبيهًا بتلك المدينة. أعتقد أن الوضع المحلي والعالمي وتحديات المستقبل بحاجة إلى خطوات بهذا الحجم، وإلّا فإن التعديلات البسيطة والإجراءات المتواضعة لا يُمكن بأي حال من الأحوال أن تصل بالجانب الصناعي والتجاري إلى مستويات تنافسية، وسنبقى إلى ما لا نهاية مُلزمين في كل خططنا وتطورنا؛ بل وحياتنا تمامًا مرهونةً بمستقبل النفط وأسعاره. وأخيرًا فإنَّ هذا الأمر مفتاحٌ للفكر ورؤية مسايرة لنظرة المسؤولين في المستويات العليا والإستراتيجية وعسى أن يأتي أحدٌ بأفضل من فكرتي ونلتقي جميعًا على رأي يحرك المياه الراكدة، ونذهب بوطننا إلى المكان الذي يستحق بين دول العالم المتقدمة.