"ان ما طاعك الزمن طيعه"

 

لينا الموسوي

"ان ما طاعك الزمن طيعه".. مثلٌ شعبيٌ جميلٌ قد يُوحي لسامعه من أول وهلة بالخضوع والاستسلام، ولكن عند التمعن في معانيه نجد أن ما يحويه في لُبه، أعمق وأدق.

دار حديث بيني وبين صديق عن الزمن الحديث وما يحدث فيه من مستجدات تميل إلى التعقيد إضافة إلى السرعة المتناهية في التغيير مما يصعب علينا متابعة ما يحدث لأولادنا وحياتنا أو ترتيب أولوياتنا الاجتماعية والتربوية.

 وعند سماعي لهذا المثل الشعبي، وجدت فيه تأكيداً على أن في كل الأزمنة نقلات وتطورات لابد أن تحدث وأن كل حدث جديد في زمن مُعين يصعب على أهله تقبله أو استيعابه ومن ثم يتم الاعتياد عليه. وهذا ما يحدث لنا في الوقت الحاضر فما فعلته النقلة القوية والسريعة في التكنولوجيا وتأثيرها المباشر على الأجيال جعل الآباء أو الأجيال الأكبر سنًا يأخذون خطوات إلى الخلف ويعيشون في صراعات وآهات ناقدين متذمرين متحيرين تائهين في دروب الخوف، متسائلين إلى أين تأخذنا هذه المسيرة وكيف نتعامل مع أولادنا وما يحدث من انفتاحات اجتماعية والخلط في المفاهيم المتعارف عليها.

لكن في الحقيقة أن مقولة المثل الشعبي بطاعة الزمان تعتبر في رأيي حلا جيدا جدًا لتوجيه الأجيال الأكبر لمحاولة تفهم أسلوب الحياة الجديدة بعمق ووضوح وإيجابية لتتناسب مع الجميع، فليس من الضرر تحديث الآباء طريقة تفكيرهم وإعادة صياغتها؛ بما يتناسب مع مُعطيات الحياة الجديدة فنتعلم من آبنائنا كيفية إيجاد الحلول المناسبة بطريقة مختلفة عن ما كنَّا معتادين عليه؛ حيث إن نوع المشكلات في الوقت الحاضر قد تغير.

فطاعة الزمن لا تعني الخضوع إلى كل ما هو مطروح ولكن تعني في رأيي استيعابه وتصفيته وترتيبه بمساعدة الأبناء وتحديث وتطوير الأسس الاجتماعية المتعارف عليها.

وطرح هذا الموضوع ليس بالشيء البسيط؛ فهو يتطلب بذل جهود عالية لتفهم الأجيال الجديدة وبناء علاقة صداقة حقيقية وليست ظاهرية، والسعي نحو الديمقراطية التي تعلم منذ الصغر بالتربية والدين وأسلوب الحوار، وهذا في الحقيقة يحتاج إلى تعاون مجتمعي متكامل يبدأ من داخل الأسرة والمدرسة، وينتهي في المجتمع وأن لا نكون متذمرين مستائين صانعين في اللاشعور حواجز وأسوار عالية بيننا وبين من نحب.

إذا أطعنا الزمن بمرونة مع أبنائنا بترك كلمات النهي الصارمة واتباع الأسلوب الأجمل الأسلوب الديمقراطي الحر الراقي المبني على الاحترام قد ننجح في المحافظة عليهم وترسيخ أسس وأنظمة مفاهيم مجتمعنا بصورة أكثر حداثة فتكون مرغوبة ومسموعة ومحبوبة أكثر من قبل الجميع.

كما قال الله تعالى في آياته الكريمة "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، فإذا تمعّنا في هذه الآية نجد أن الله تعالى يحثنا على التغيير نحو الأفضل بما يرضيه ولا يجب أن نبكي على أطلال الماضي ونترك أكبادنا يتخبطون بين أمواج بحور المجتمعات المختلفة.

لذلك أحبائي لنسعى جاهدين لطاعة الزمن الجديد باتخاذ الطريق الصحيح واللّيِّن في التعامل مع جيلنا الجميل الذي به نفتخر.

تعليق عبر الفيس بوك