الخرائط والتصاميم التنظيمية

 

د. سامية بنت عوض عبدالله باصديق **

 

"بناء الخريطة التنظيمية" بات من أهم المواضيع الاستراتيجية التي يقوم عليها أساس أيِّ مؤسسة تنظيمية، وتعتبر الخرائط والتصاميم التنظيمية بمثابة المذكرة التفسيرية لمحتويات البناء التنظيمي في المؤسسات، إضافة إلى أنها تُمثِّل الإطار الواضح المحدِّد لبناء المنظمة والوحدات الإدارية والوظائف التابعة لها. وينبني عليها أيضًا تحديد السلطات والمسؤوليات المنظِّمة للعمل؛ وتعتمد عليها كل المرتكزات الأساسية للتنسيق بين الوحدات التنظيمية.

وبناء الخرائط والتصاميم التنظيمية يعتمد نجاح إعداده على اتباع المراحل الأساسية التالية حسب ما أوضحته الأدبيات العلمية:

  • (تقسيم العمل والتخصص).
  • (تكوين الوحدات التنظيمية).
  • (تحديد السلطات والمسؤوليات وعلاقاتها).
  • (تنسيق البناء التنظيمي).

المرحلة الأولى: (تقسيم العمل والتخصص).

هذه المرحلة يتعيّن فيها الأخذ في الاعتبار عدة أمور تتعلّق بتحديد حجم المنظمة وطبيعة نشاطها ومستواها التكنولوجي، إضافة إلى التوزيع الجغرافي ومدة بقائها. يلي ذلك بيان الأنشطة وتجزئتها من خلال تحديد الأهداف العامة للمنظمة ونشاطها؛ ومِن ثمّ وضع السياسات والخطط اللازمة لتحقيق هذه الأهداف. كما يتم فيها تقسيم وتجزئة هذا النشاط إلى أنشطة ووظائف رئيسية ثم تقسيمها وتجزئتها إلى أنشطة ووظائف فرعية تليها أنشطة ووظائف ثانوية وهكذا دواليك.

وتصميم العمل وإخراجه بصورة جيدة في هذه المرحلة، يستلزمُ توضيح درجة تعمُّق العمل ومداه وعلاقاته بشكل موضوعي، ثّم تحديد محتواه للوقوف على تحليله بصورة تؤدي إلى معرفة جدواه.

كما إن محتوى العمل يشير إلى الأنشطة والواجبات اللازمة للعمل، وقد يكون هذا المحتوى مقتضبًا أو مفصلًا يشمل كل جزئية أو قد يكون عامًا. وذلك يتطلب الوقوف على التالي:

  • متطلبات العمل: تضمن تحديد نوع التخصص العلمي والخبرة المطلوبة، وتحديد الخصائص والسمات الواجب توافرها في بعض الأعمال.
  • ظروف العمل: وهي الظروف البيئية التي يتم مزاولة العمل فيها كالتهوية والإنارة وغيرها.
  • مدى العمل: بمعنى الواجبات المحتملة للوظيفة.
  • عمق العمل: مدى حرية التصرف في العمل.
  • علاقات العمل: وهي طبيعة ومدى العلاقات بين الأفراد اللازمة لإنجاحه.

أما بالنسبة لتحليل العمل- عامة- فيعتمد على مداخل متنوعة من أهمها المدخل الآلي والتحفيزي والبيولوجي والإدراكي، وعلى هذه المداخل يتحدّد مجال التركيز، والمنظور والغرض وأهداف العمل.

المرحلة الثانية: تكوين الوحدات التنظيمية.

اختيار الأنشطة يعتمد على أسس واعتبارات واضحة لا بد من التركيز عليها، وهي تتمثّل في الاستفادة من مبدأ التخصص في العمل وتحقيق قدر مناسب من التنسيق بين الوحدات، كذلك تسهيل عملية الرقابة وضمان إعطاء الاهتمام الملائم للأنشطة؛ بالإضافة إلى تخفيض النفقات ومراعاة الظروف المحلية للمنظمة.

وتحديد أجزاء المنظمة في مرحلة تكوين الوحدات التنظيمية من الأهمية بمكان، بحيث يتم من خلاله تحديد القمة الاستراتيجية والإدارة الوسطى والهيكل الفني (البنية الفنية) وكذلك الجهاز المساند (المساندون) ومركز العمليات أو مراكز التشغيل.

أما نطاق الإشراف والتمكّن- بصفةٍ عامة- يتم تحديده بناءً على ظروف العمل الخاصة بكل منظمة. وفي هذه المرحلة أيضا يتم تسمية الوحدات/ التقسيمات التنظيمية بحيث تكون لها دلالات تتعلق بالتسلسل الإداري في المنظمة، وتعتمد هذه التسميات على الحجم ومستوى الأهمية: قطاع أو مديرية عامة، دائرة، قسم، شعبة، فرع، وحدة.

أما فيما يخص المجالس واللجان فتقوم المنظمة بتشكيلها لتتولى مهمة تنظيم بعض الأنشطة ومتابعتها كي تحقِّق تلك الأنشطة أهداف المؤسسة.

المرحلة الثالثة: تحديد السلطات والمسؤوليات وعلاقات السلطات.

تحديد السلطات والمسؤوليات بأنواعها المختلفة (التنفيذية والاستشارية والوظيفية) من أهم المراحل في بناء المنظمة؛ حيث يتم فيه تحديد العلاقات بين الوحدات التنظيمية وقيامها على أسس خالية من التضارب والنزاع. وكذلك تحديد مسؤولية المرؤوس تجاه تنفيذ الأعمال وتنفيذ الواجبات المكلف بها. وضمان تحقيق التوازن التنظيمي يتطلب تحقيق علاقات متوازنة بين الصلاحيات والمسؤوليات الممنوحة للفرد والتوازن بين العمليات والمتغيرات.

المرحلة الرابعة: تنسيق البناء التنظيمي.

التنسيق له أهمية قصوى في ضبط وحدة العمل وتحقيق الهدف العام، بالإضافة إلى أن التنسيق الجيد في المنظمة يحقِّق نجاح التعامل مع القوى والمؤثِّرات الِمتنافسة والمتضارِبة داخل المنظمة وخارجها. تنسيق العمل له ثلاث آليات تتمثل في:

  • الإشراف المباشِر على الواجبات والمسؤوليات التي يؤدي القيام بها إلى تسيير العمل.
  • التكيّف المتبادل الذي يحقِّق تنسيق العمل بواسطة الاتصال غير الرسمي.
  • المعيارية أو التقييس بمعنى وضع قواعد وإجراءات محددة من أجل توجيه سلوك العاملين لإنجاز العمل.

ومن هنا فإن الخريطة التنظيمية اعتمادًا على هذه الآليات- تباعًا- تُحقِّق مفهوم التحليل الوظيفي؛ حيث تعد مرحلة مهمة في فهم متطلبات التنظيم الرئيسية، ومن خلالها تتم عملية جمع وتحديد كل المعلومات المتعلِّقة بالوظيفة من خلال تحديد الواجبات وطبيعة الوظائف ونوع الأشخاص الذين يجب تعيينهم.

وثمّة سؤال ملح يتبادر إلى الذهن وهو: ماذا لو تم إدراج جميع متغيِّرات عملية بناء الخريطة التنظيمية في كتالوج أو دليل تتم فيه مراجعة مكوِّنات المؤسسة البنائية والوظيفية؟

نرى أنه إن تم ذلك سيكون وسيلة ناجعة ومفيدة وفعالة يسهل من خلالها مراجعة أداء المؤسسة، والوقوف على أيِّ خلل محتمل من خلال مقارنة ومراجعة الواقع بالتصميم الأصلي، ومن خلاله أيضًا سيتم بناء تصورات وسيناريوهات مستقبلية خاصة بالتطوير التنظيمي، ناهيك عن الوقوف على جوانب القوة والضعف في التشكيل الهيكلي وتبيان خطوط السلطة المباشرة ومسؤوليات العمل، وكذلك فهم العلاقات بين الوظائف وبين الوحدات التنظيمية، إضافةّ إلى أن ذلك سيقود إلى الاقتراب من الواقع المثالي للأوضاع التنظيمية؛ لأن متغيِّرات الخريطة التنظيمية ومراحلها تقوم - أساسًا- على أصول ونظريات علمية في الإدارة، ومجرد الاطلاع على بنودها ومتغيِّراتها يتيح الفرصة والحافز للتغيير واكتساب المعرفة وتوسيع دائرة التفسير؛ لفهم العملية التنظيمية ومِن ثمّ الوقوف على عتبة التغيير الممنهجة؛ التي تعتمد على المنطق العلمي وليس على التخبط والعشوائية في إقرار الحلول.

ومن واقع خبراتنا وإطلاعنا، فإننا ندعو إلى مبادرة تنظيمية باعتماد دليل تنظيمي دقيق للمؤسسة بجميع أقسامها الرئيسية والفرعية يتم تصميمه في صورة كتالوج وصفي تعريفي للجسم التنظيمي وكل ما يتطلبه؛ ليعمل بشكل مثالي من خلال إدراج جميع ما ورد في الخرائط التنظيمية من محدِّدات وتفاصيل دقيقة، تساعد في الوقوف على مواقع الضعف والخلل والعمل على تصحيحها وعدم تكرارها، فضلاّ عن كمية الوعي المستفاد من إجراء هذا التشريح الدقيق الذي- بلا شك- سينهض بمستوى التخطيط الاستراتيجي الذي سوف يحدِّد أولويات التغيير بالصورة التي تؤدي إلى أن تنعكس نتائجه الإيجابية على الأداء التنظيمي للمؤسسات.

** اختصاصية أداء تنظيمي

تعليق عبر الفيس بوك