أضواء منسية تعرفها ميرابيلا (8)

 

مُزنة المسافر

تشاجرت مع المنتجين.

وسئمت من أفكارهم البالية.

التي ترتكز على الماضي.

وعلى الأستوديوهات الضخمة التي فيها تماثيل.

ورؤوس ووجوه، وعروش.

وطلبت منهم الإتيان بكُتاب سيناريو جدد.

من أصحاب الأفكار النيرة.

لم يصدقوا أن الجمهور يسأم.

وأنه يمل.

حين لا يمكنه أن يحلم.

وحين يرى مجد الحب ضعيفاً.

وأبطاله ورجاله صاروا دمى لا تشعر.

وأن القلوب والأفئدة.

ما عادت تشعر بالقصة.

وأن حركات الكاميرا المتبدلة لن تساعد الجمهور.

على الشعور.

لا يمكن أن أتصور أن التعب الذي نال مني.

وجعلني أبحث عن النجوم.

وعن العيون.

قد راح هباءً منثورا.

وغاب في طيات الأمس.

والآن كوني شمعدانة.

تقف أمام نير الحياة.

لا يمكنني أن أقبل إلا الصدق في الشاشة.

ومهما كانت الأمور شعشاعة بالنسبة لهم.

ولنقودهم.

كان بالنسبة لي لابد أن يكون شيئاً شفافاً.

صادقاً.

واعداً برسالة.

فشعرت أنني المرسال.

وأن ناس الضيعة.

والجمهور.

وجارتي على الشرفة.

وبائع البرتقالات.

وكل من يمر في طريقي في الأزقة.

ومن يجلس قربي في المتروبوليتانا.

لابد أن يشعر بصدق اللحظة.

والكلمة.

ويرى بعينه الخير.

ولا يرى بضع أشرار زائفين.

وبضع مهرجين غارقين في شريط الأحداث.

قلت بلهجة صارمة.

ومشاعر عارمة.

 

كفى، لم أعد قادرة على الاحتيال.

أين كلمات البهجة والإذهال؟. 

أين الفرح الذي لابد أن يدخل نفوس البشر؟.

وهل وصلت السعادة؟!. 

الضالعة بجعل الجمهور يصفق بشدة.

اسمحولي أيها المنتجون في المكتب العريض.

لم أعد اسمع في الصالات التصفيق.

صرت اسمع.

الرفض.

والقهر.

والخروج من الصالات بالغضب.

هل سنخدع الناس؟.

إنني أشعر بهذا الإحساس.

أننا جلبنا الخديعة.

والمكر.

واللؤم.

ونسينا الجمَال.

والأيام التي شعر فيها الجمهور بالسعادة.

 

تركوني أقول  كلماتي الجادة.

التي لم أنطقها من قبل في حياتي.

وشعرت بعدها.

أنه غير مرحب بي في الإستوديو.

ومن ثم في غرفة التجميل.

وأن عقدي انتهى فجأة.

وطلبوا مني إلقاء النصوص في الأدراج.

وإعادة المجوهرات والساعات الثمينة.

التي منحوها لي كهدية بعد كل فيلم.

 

ولم يعد هنالك سيارة تقلني من منزلي.

وتأخرت في دفع إيجار منزلي.

ولم أعد قادرة على جلب الخبز.

والطعام.

وكانت الأيام قد باتت يائسة وبائسة بالنسبة لي في المدينة العريضة.

وكانت أثوابي الزاهية بحاجة لمسحوق الغسيل.

وتذكرت حين كنت انزعج من مساحيق التجميل المتراكمة على وجهي.

حين كنت في الإستوديو.

لأنني صرت أخرج دون مكياج.

نبض قلبي التعب.

فكنت أنام أياماً كثيرة.

دون طعام.

ودواء.

لأنني أصبت بأمراض شتى.

لم أعلم من أين.

وأسعفتني جارتي.

لكن معظم الوقت بقيت وحيدة.

لأقاوم المرض والقهر.

 

ولأنني كنت أصلي كثيراً للقدير.

أن أرى الدنيا من جديد بعين السعيد.

وأن يمنحني الله القوة لأقاوم.

واصعد درجات الحياة دون أن أتعثر.

وامضي دون أن أحزن لما حدث من أشهر.

وحين مضي الحول المعتم.

هكذا اسميته.

ونفذت كل نقودي.

قررت أن أترك المدينة العريضة.

وكل ما فيها من حيلة ورذيلة.

وأعود للضيعة التي ضاعت بين ذكرياتي الجديدة.

وشعرت أن قلبي ينادي أبي، أمي، وجدتي.

وطبعاً أليتشيه أختي الصغرى.

وعادت عيناي تفيق.

وصار قلبي ينبض أكثر.

حين تذكرت.

اسم جوليو.

وكأنه يشعر بي.

وباللحظة التي هزمتني.

وكأن جوليو جاء يفيق روحي من الظلام.

ويراني هنا في العتمة.

لينير بنوره حياتي.

وشعرت به ينطق اسمي.

ويمازحني.

ويشاكسني.

كما كان يفعل.

ويسألني سؤاله المعتاد: هل أنت بخير يا كيارا؟

تعليق عبر الفيس بوك