◄ المهرجانات تعزز الجذب السياحي وتدعم النمو طوال العام
◄ ضرورة التخطيط المُبكِّر للمواسم السياحية لضمان أعلى عائد
◄ لا بديل عن تكامل المنظومة السياحية والتزام نهج التجديد المتواصل
حاتم الطائي
لم يعُد الحديثُ عن التنميةِ السياحيةِ يقتصرُ على مسألة توفير الخدمات أو تطويرها؛ بل أصبح الأمرُ يتخذ بُعدًا أكثر عمقًا، يستفيد من المقومات السياحية الفريدة بمعنى الكلمة، والإمكانيات الكبيرة التي تستطيع الكفاءات الوطنية تقديمها للسائح والزائر، ارتكازًا على ما يحظى به وطننا من إرث ثقافي متنوع، ووفرة في الموارد السياحية المتعددة.
وإحقاقًا للحق، فقد شهد العام الجاري 2023، نقلة نوعية في منظومة التطوير السياحي، وهنا لا أتحدث عن مشروعات التطوير السياحي، فهذه لها جوانب أخرى سنتطرق إليها في سياق حديثنا عن التنمية السياحية الشاملة والمُستدامة. لكن النقلة النوعية التي نشير إليها، نقصد بها التنوع الذي شهدته محافظاتنا خلال هذا العام، سواء في صورة مهرجانات سياحية أو فعاليات تُعزز الجذب السياحي، وتساعد المواطن والمقيم وأيضًا السائح القادم من الخارج، في النهل من ينابيع السياحة العُمانية، والتي نعلمها جميعًا وتتجسد في الشواطئ المُمتدة بطول هذا الوطن العزيز من شماله إلى جنوبه، مُشكلةً أحد أطول الشواطئ لدولة واحدة في الشرق الأوسط، وبما تتميز بها مياهها الصافية بروعة مناظرها، ورمالها الناعمة، وجُزرها الثرية. هذا إلى جانب الحصون والقلاع والمتاحف (وآخرها المتحف الأيقوني عُمان عبر الزمان) وغيرها من المواقع التاريخية التي تندرج ضمن السياحة الثقافية. ولا ننسى سياحة المُغامرات؛ سواء في مسقط أو في أي موقع آخر، وكذلك السياحة الموسمية، مثل الجبل الأخضر في الصيف، وخريف ظفار، والأجواء الشتوية الدافئة والمُميَّزة في أنحاء عُمان قاطبة.
سياحة المهرجات التي بدأت في الازدهار هذا العام، تؤكد إمكانية توظيف المقومات السياحية في كل فصول السنة، وهو ما ينسف الفرضية الخاطئة بأنَّ طقس السلطنة لا يجذب السياح إلا في فصل الشتاء، والدليل على ذلك، موسم الخريف في محافظة ظفار- كما ذكرنا- والأجواء الرائعة في المناطق المرتفعة مثل ولاية الجبل الأخضر وجبل شمس وقرية وكان، وغيرها. أضف إلى ذلك الأجواء الصيفية المعتدلة على الشواطئ، وهنا أضرب مثالًا بمحافظة الوسطى، التي ينتظرها مستقبل سياحي واعد، إذا ما جرى تنظيم المزيد من الفعاليات السياحية فيها، مثل "صيف الوسطى 2023"، والذي أعتقد أنَّه لم يحظ بنصيب وافر من الاهتمام الإعلامي أو الترويج السياحي. فما يُميِّز الطقس في محافظة الوسطى، أنها المحافظة الأقرب إلى ظفار؛ حيث موسم الخريف، كما إن شواطئها الخلّابة برمالها البيضاء الناعمة تُمثل عنصر جذب لا مثيل له. علاوة على أن الوسطى تشهد جوًا باردًا ومُمتعًا في شهور الشتاء.
إذن ما الذي ينقصنا حتى نُحقق التنمية السياحية المأمولة؟!
واقع الحال يؤكد أنَّ التخطيط المُبكِّر للمواسم السياحية أمر بالغ الأهمية؛ بل لن نُحقق النجاح المنشود دون هذا الشرط، وهذا يتضمن الإعلان عن تفاصيل الموسم السياحي بفعالياته المتنوعة قبل انطلاقه بفترة لا تقل عن أسبوعين، مع إطلاق حملة إعلانية في جميع الصحف ووسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها، فما يحدث على أرض الواقع يُشير إلى ضعف الترويج السياحي لهذه المواسم، مع الاكتفاء بمنصة واحدة أو اثنتين على أقصى تقدير! الأمر الذي يستدعي شمولية الحملات الترويجية لهذه المناشط السياحية، وخاصة المهرجانات. فمثلًا مهرجان الجبل الأخضر، والذي انطلق قبل أيام في هذه الولاية الجميلة الخلّابة، لم يحظ بالترويج الكافي؛ إذ الأنظار تتجه في مُعظمها إلى موسم الخريف، لكن لا شك أنَّه في حالة تنفيذ خطة إعلانية مُحكمة وشاملة، سيتحقق الهدف المرجو. أيضًا ينبغي تضمين فعاليات جماهيرية ضمن مثل هذه المهرجانات، مثل إقامة الحفلات الغنائية، أو العروض المسرحية، والأوبرالية أيضًا، وعروض خاصة للأطفال، وشاشات عرض سينمائي في الهواء الطلق، تُعرض فيها أحدث الأفلام التي يفضلها الجمهور، مثل الأفلام العربية والأمريكية والهندية.
أما بالنسبة للسياحة في المحافظات، ففي ظل الخطط الجارية لتعزيز اللامركزية، وتحفيز المحافظات على تنويع الاستثمارات المحلية، فمن الجيِّد أن تتأسس شركات أهلية مملوكة لمواطني المحافظة، تتولى مسؤولية ضخ استثمارات أهلية في المشاريع السياحية، مع أولوية التعيين في هذه الشركات لأبناء المحافظة، بما يُساعد على توفير فرص عمل للشباب في القطاع السياحي المليء بالفرص المُتعددة. ونقترح على مثل هذه الشركات، البدء بالمشاريع التي تستقطب الشباب والأسر، مثل النُزل السياحية الخضراء، والمقاهي العصرية، ومراكز الترفيه للصغار، ومراكز ألعاب التسلية، وغيرها، أي المشاريع الاستثمارية متوسطة التكلفة.. وأذكرُ في هذا السياق التجربة الرائدة في حارة العقر بولاية نزوى، والتي تستحق الإشادة بفضل جهود الشباب المُهتم بنمو القطاع السياحي.
وفي المقابل، تتولى شركات التطوير السياحي الكبيرة مسؤولية إنشاء المشاريع الكبرى، مثل الفنادق والمنتجعات وغيرها، فنحن بحاجة ماسة إلى زيادة عدد الفنادق والغرف الفندقية، حتى نستطيع أن نُحقق الأرقام التي رسمتها الرؤية الطموحة "عُمان 2040". كما نأمل تطوير شركة "الطيران العماني" وإتمام إعادة هيكلتها في أقرب وقت ممكن، بما يضمن قيام الناقل الوطني بالرحلات المباشرة.
وانتعاش السياحة لا يعتمد فقط المناشط التي تركز على الترفيه والمُتعة، ولكنه أيضًا يتحقق من خلال تفعيل أنواع مختلفة من السياحة، مثل سياحة المتاحف، ويُمكن في هذا الصدد إنشاء متاحف صغيرة في كل ولاية، يكون هدفها تعليمي في الأساس، لتعريف النشء بتاريخ كل ولاية، كما يُمكن عرض مُقتنيات المتحف الوطني أو متحف عمان عبر الزمان، في متاحف الولايات، حتى يُمكن لمن لا يُحالفه الحظ بالذهاب إلى هذين المتحفين الكبيرين، أن يتعرف على محتوياتهما وهو في ولايته دون أن يُغادرها، وهنا تتحقق منافع عدة.
وازدهار القطاع السياحي لا يتوقف فقط عند خطط الترويج وتنويع المشاريع، لكن كذلك ثمَّة إجراءات وخطوات متى ما اتخذناها انتعش هذا القطاع الواعد. ومن بين أكثر الإجراءات التي تعزز الجذب السياحي، توظيف التكنولوجيا الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، والربط بين مختلف المنشآت السياحية عبر برامج وتطبيقات رقمية تُتيح للسائح أو الزائر تجربة سياحية سلسة وسهلة للغاية. فمع إطلاق تطبيقات سياحية شاملة لمختلف المرافق وبأسعار تنافسية في كل تطبيق، من شأنه أن يدعم ويجذب السياح من كل أنحاء العالم إلى بلادنا، فلن يكون السائح مضطرًا إلى البحث عن شركة محلية لتنظيم رحلة سياحية له، بل يُمكنه من خلال هذا التطبيق التواصل مع هذا النوع من الشركات للحصول على برنامج سياحي متنوع ومُثرٍ.
ويبقى القول.. إنَّ الترويج السياحي عملية متجددة ومنظومة متكاملة، ولا يمكن ضمان نجاح أي ترويج سياحي دون هذا التجدد وذلك التكامل، والفرصة متاحة أمام الجميع لإطلاق العنان أمام قدراته وطاقاته، من أجل تقديم منتجات سياحية تُنافس إقليميًا ودوليًا؛ بل وتزيد من معدلات الدخل القومي، وترفد ميزانية الدولة بعوائد اقتصادية ذات قيمة مُضافة، وتوفِّر للمواطنين فرص عمل تضمن لهم الحياة الكريمة التي ينشدونها، مع التأكيد على تبني نهج التجديد المُستمر، وتقييم الأداء دوريًا، ومُضاعفة خطط تأهيل وتدريب الكفاءات الوطنية، وجذب الاستثمارات مع تقديم الحوافز اللازمة لها.. عندئذٍ سيكون لدينا قطاع سياحي رائد يُعزز مسيرة التنمية الشاملة ويضمن استدامتها.