لو كنتُ مسؤولا (11)

 

 

  د. خالد بن حمد الغيلاني

 khalid.algailni@gmail.com

@khaledAlgailani

عام القوانين العمانية

عند تولي مولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله تعالى ورعاه- مقاليد الحكم، وتأكيد جلالته على ضرورة حوكمة العمل الوطني، وتفعيل هذا الجانب المهم جدا في دولة المؤسسات، قاصدا بذلك جلالته؛ وضع كل أمر في نصابه، هادفا من ذلك إلى السير بخطى واثقة نحو تحقيق أهداف رؤية عمان 2040، وبلوغ الغايات السامية منها، مدركا أعزه الله تعالى أن أي عمل وطني ما لم تكن الحوكمة حاضرة فيه، والمتابعة والمحاسبة جزءا منه، فلن نصل إلى الغايات المرجوة، بذات الطموح المنشود.

لذلك؛ وكعهد جلالته الدائم مذ عرفناه متقلدا للعديد من المناصب الحكومية المختلفة، حتى بلغ الأمر غايته، وأتاه الحكم طائعا مختارا، فهو الدقيق في أعماله، الوفي بتعهداته، المستشرف للمستقبل بثاقب رؤيته، وعمق تحليلاته، وإدراكه لكل شاردة وواردة، فجلالته أيده الله تعالى حينما أفرد لتطوير الجهاز الحكومي مساحة من خطاباته السامية، وأعطى الحوكمة حقها من توجيهاته النافذة، كان يعني ذلك، ويعلم إلى أين يسير بنا، واليوم ونحن في النصف الثاني من العام 2023، والذي يستحق بكل جدارة أن يكون عاما للقوانين العمانية، هذه القوانين التي لامست أكثر من قطاع، وروت شِغَاف الكثير من المنتظرين لها، وحددت ملامح العمل في العديد من القطاعات الحيوية، ورسمت مسارا قانونيا واضحا لا لبس فيه، مسارا يحدد الحقوق والواجبات، ويضع العمل الوطني في العديد من المجالات في طريقه الوطني، أخذا في الاعتبار مختلف الجوانب، منطلقا نحو المستقبل برؤية واضحة، وخصوصية عمانية، وغاية محمودة منشودة لخير البلاد والعباد.

ورغم أن السنوات الماضية من نهضة عمان المتجددة شهدت صدور العديد من القوانين؛ لكن هذا العام تميّز عن غيره بنوعية القوانين التي صدرت فيه، وطول انتظار المجتمع لصدورها، وملامستها بشكل مباشر للعديد من القطاعات التي تحظى باهتمام الحكومة والمواطن على حد سواء.

وتتضح أهمية هذه القوانين من خلال ما صاحب مراحل دورتها التشريعية من متابعة مجتمعية لافتة، وإثارة إعلامية كبيرة، وعمل كبير من مجلس عمان، واهتمام من مختلف القطاعات، ومتابعات من داخل وخارج السلطنة، كل ذلك يشير بشكل واضح إلى أهميتها، وضرورتها المرحلية، وحاجة المجتمع لها، وتأطيرها للعديد من الجوانب التي كانت الحاجة لوجود تشريع يعالج أوضاعها ملحة للغاية.

فإصدار قانوني التعليم المدرسي والعالي، حدد ملامح قطاع التعليم، بمختلف مراحله، وبيّن مساراته، وحدد الحقوق والواجبات، وأدوار عناصر منظومة العمل التربوي، وأكد مكانة المعلم، هذه المكانة المصونة والمرموقة؛ والتي تحظى بتقدير المجتمع، كما اتضحت مسارات التعليم العالي، ودور مؤسساته الحكومية والخاصة، وأهمية هذا التعليم في الإعداد لمتطلبات المستقبل.

وإصدار قانون الحماية الاجتماعية جاء ملامسا لواقع الحال، مجيبا عن الكثير من التساؤلات، محققا تطلعات الكثير من أبناء المجتمع، واضعا الكثير من الجوانب المتعلقة بالفرد والأسرة في مسار يكفل حفظ الحقوق، وتحقيق الغايات.

ولم يكن قانون العمل أقل أهمية عن غيره من القوانين، وهو القانون الذي ينتظره قطاع كبير من العاملين، جاء متسقا مع واقع الحال، معالجا للكثير من القضايا، واضعا حلولا واقعية لعدد كبير من الإشكالات، محددا بشكل جلي طبيعة العلاقة بين العامل والمؤسسة وصاحب العمل.

وكان آخر القوانين صدورا قانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى، الذي حدد الأهداف والأدوار والآليات ليتمكن الجميع من ممارسة حقهم الانتخابي بشكل أكثر سلاسة، وإنجازا، مؤكدا هذا القانون على الأبعاد الوطنية الجليلة للعملية الانتخابية العمانية المتميزة عن كثير من العمليات الانتخابية، والتي لها خصوصيتها العمانية التي نفخر بها.

إنَّ صدور هذه القوانين بداية مرحلة من العمل الوطني الكبير، وتحديد لمسارات أكثر ثباتا ورسوخا، وأصبح المسؤولون المعنيون بتنفيذها ومتابعتها، وإعداد لوائح ذلك التنفيذ؛ مطالبين كلًّا من موقعه، وبحسب اختصاصه، باتخاذ ما يلزم لتكون هذه القوانين محل التنفيذ، وإعداد خطط التوعية اللازمة ليعلم المجتمع بكل فئاته، ومختلف ثقافاته، المراد الحقيقي من مواد هذه القوانين النافذة، وما على كل فرد من واجب، وما له من حقوق، بهذه التوعية الحقة نقطع دابر التأويل الذي يأخذ بألباب الناس، ويمسك بتلابيبهم دون فائدة مرجوة غير تفسيرات يختلط فيها الغث بالسمين، والصواب بالخطأ، لذلك فالتواصل وتفعيل أدوار المتحدثين الرسميين مهم جدا في مرحلة توعية المجتمع بهذه القوانين، وليس المجتمع وحده المحتاج لهذه التوعية؛ بل إن عناصر العمل المعنية بتنفيذ ومتابعة هذه القوانين من المؤسسات الرسمية المختلفة أكثر حاجة، وأشد رغبة في سبر غور هذه القوانين ومعرفة مراد موادها المختلفة، وهذا ضمان لحسن التنفيذ، وصواب المتابعة.

كما يجب إعداد خطط واضحة لتنفيذ القوانين، خاصة تلك المواد التي تتطلب تنفيذا مرحليا، ومشاركة مؤسسية، بهذا يمكن أن تحقق القوانين هدفها المنشود، وتفعّل الحوكمة على الحق والحقيقة المرادين.

حفظ الله تعالى بلادنا الغالية، وأعز مولانا السلطان، وحقق لبني وطني الغايات.