فن إدارة الخلافات الزوجية

 

 

حمد الحضرمي  *

بصفتي محاميا ومحكما ومستشارا قانونيا، تعرض وتمر عليّ مئات الدعاوى والقضايا الشرعية والمدنية والتجارية والجزائية، وكنت ولا أزال قريبًا من آلام وآمال أفراد المجتمع، وأشاركهم أحزانهم وآلامهم وآمالهم في زمن صعب، بعض أهله لا يرحمون ولا يعينون، ويكذبون وينافقون، ويعتدون ويضرون النَّاس ويظلمون، وقد عشت لسنوات طوال في أعماق الحياة، ومع النَّاس ومشاكلهم ومع أرواحهم ونفوسهم ومع آمالهم وآلامهم، فكان عليّ لزامًا من هذه التجربة الطويلة، أن أعرض بعض الدعاوى والقضايا التي تؤرق المجتمع وتؤثر على كيانه وتهدد بنيانه، حتى يتعظ المقصرون والمخطئون، ويصححون المسار ليعيشوا داخل بيوتهم وخارجها سعداء، وسيكون بداية الطرح المشاكل والخلافات الزوجية، والأمر يتطلب في هذه المشكلة بيان الأخطاء والسلبيات ومُعالجتها ووضع الحلول لها، حتى لا تنهار الرابطة المقدسة بين الزوج والزوجة، وحتى لا نسمح لمعاول الهدم أن تضرب حصن الأسرة فتهدمه، وتدمر سفينة الزواج فتغرقها.

وليعلم الجميع أنه لا يخلو بيت من البيوت من وقوع الاختلاف بين الأزواج في وجهات النظر والآراء والأفكار والمشاعر؛ وذلك لوجود تباين فيما بينهم في بعض الصفات، لأنَّ لكل إنسان صفات ومبادئ وقيمًا وعادات وقدرات وإمكانيات تختلف درجاتها من شخص لآخر، وهذا أمر طبيعي وواقعي، ولكن المؤسف والمحزن عندما تتطوَّر هذه النقاشات والحوارات بين الأزواج، وتعلو الأصوات بينهما، ويتلفظ الزوج أو الزوجة في حالة غضب وتسرُّع بكلمات قاسية مؤلمة، فتحدث الخلافات وتستمر لفترات بين مد وجزر، وأحيانًا تتحول إلى نفور وشقاق بين الزوجين، وتضعف العلاقة الزوجية عندما تصل لهذه الدرجة إلى أدنى مستوى لها، وتؤثر هذه العلاقة المتوترة بين الزوجين على الأولاد خاصة الأطفال منهم، وقد يصل هذا التأثير لإصابة بعض الأطفال باضطرابات وأمراض نفسية، والسبب الأب والأم وخلافاتهما الشخصية التي لا تنتهي، وربما تصل إلى أروقة المحاكم، وبعدها يقع بين الزوجين الفراق والطلاق وشتات أسرة وتأثير بالغ يُصيب الأولاد بعقد واضطرابات سلوكية ونفسية.

الأسرة هي ركيزة المجتمع وأساس بنائه وصلاحه وعصب الحياة فيه، وأصل الأمة ومستقبلها وعنوان قوتها، لكننا نعيش في عصر أصبح وجود الحياة الزوجية المستقرة السعيدة في غاية الصعوبة؛ لأنَّ الأسرة اليوم غدت مهددة من الداخل والخارج؛ فهناك من يُريد لهذه الأسر أن تتهدم وتنفصم عراها، وإذا تهدمت الأسرة تهدم المجتمع والأمة. وهذه الأحداث والوقائع تتطلب منا وضع حلول عاجلة لها، ومنها عملية تجديد الحياة الزوجية، وتنفيذ الوسائل المهمة لتقوية العلاقة بين الزوجين، لتظل الحصن المنيع في وجه التأثيرات والتيارات السلبية التي تهدف لضرب بنيان الأسرة وتمزيقها، والمسؤولية كبيرة ويتحملها الطرفان للمحافظة على الأسرة من الضعف والتفكك والتشتت والدمار.

وللزوج دور مهم في تجديد الحياة الزوجية وحماية أسرته من الأخطار، ويأتي في الأولوية تنفيذ وصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث: "استوصوا بالنساء خيرًا"، والحديث الآخر: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم"، ثم تأتي المعاشرة بالعدل والمعروف، عدالة في الحقوق والواجبات، فكان ابن عباس رضي الله عنهما يتزين لامرأته كما يحب أن تتزين له، ويجب أن تكون الغيرة محمودة دون سوء ظن، لأنَّ الغيرة المريضة تعصف بسكينة البيت وتزلزل أركانه، والالتزام بالنفقة على الزوجة والأولاد وقد جاء في الحديث: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك"، وكذلك الحرص على الاحترام المُتبادل بين الزوجين حتى تصبح الحياة طيبة مستقرة، وللكلمة الطيبة الرقيقة الدافئة فعل السحر على الزوجة لأنها إنسانة عاطفية وتحتاج لكلمات الحب والود والوئام، والتركيز أثناء الحوارات والنقاشات بالمحافظة على الهدوء والرفق واللين، والاعتذار عند الخطأ لأنها شجاعة وخلق رفيع، وشكر الزوجة وتقديرها والثناء عليها لما تقوم به من أعمال البيت وتربية الأولاد، وبهذه التصرفات والأفعال سينجح الزوج في المحافظة على زوجته وأولاده وحمايتهم من التفكك والضياع، بكل حكمة وبصيرة ورفق ولين، لتبقى المودة والود والوئام والمحبة والسلام تجمعهما لآخر العمر.

وللزوجة أيضًا دور مهم في تجديد الحياة الزوجية وحماية أسرتها من الأخطار؛ فالزوجة الذكية هي التي تبقي شُعلة الحب مُشتعلة في بيتها لا تطفئها، وتدفق المحبة والألفة والود والوئام مع زوجها، ومحاولة منع حدوث المشاكل مع الزوج، لأنَّ وجود المشاكل في البيت سبب لنفور الزوج، ولا تكثر من الشكوى إليه في كل صغيرة وكبيرة، وتتجنب إثارة المشاكل معه قدر الاستطاعة، وتحرص على نظافة البيت وتجديده، والاعتناء بمظهرها وملابسها وزينتها ليكون البيت وأهله في أناقة وجمال وبهجة في الشكل والمضمون، فتدخل هذه الأفعال المستحبة على الزوج البهجة والسرور، وعلى الزوجة تجنب رفع الصوت في حوارها مع زوجها والسخرية والاستهزاء به، ولا تكون متذمرة ولا منزعجة من عمل البيت ورعاية وتربية الأولاد، وعلى الزوجة الصالحة الحرص على التزين لزوجها، فتلبس أجمل الملابس في بيتها وليس خارجه، وتعامل أهل زوجها بالتقدير والاحترام والمحبة والوفاء والإخلاص والعطاء، ولا ترهق زوجها بكثرة الطلبات والتسوق والرحلات، حتى لا تدخله في الاقتراض من البنوك، فتتحول حياتهم إلى هم وشقاء ونكد، وهنا لي وقفة في غاية الأهمية وهي قيام بعض الأزواج باستغلال زوجاتهم الموظفات والاستيلاء على راتب الزوجة ويتصرف فيه كيفما يشاء وعلى هواه، والزوجة تكون محرومة من أشياء كثيرة وهذا راتبها وحقها، بل ومن المؤلم قيام بعض الأزواج بأخذ قروض شخصية بمبالغ مالية كبيرة على راتب الزوجة، وهي صابرة محتسبة غايتها من كل ذلك المحافظة على زوجها وأولادها وبيتها لتعيش معهم في أمن وأمان واستقرار، ولكن على الزوجات أخذ الحيطة والحذر لأن بعض الأزواج لا يؤتمن وليس منه أمان، والبعض الآخر قدوة ومثال يحتذى به.

أيُّها الأزواج والزوجات الكرام لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حيث كان حبيبنا المصطفى صلوات الله عليه أحسن الناس معاشرة وودًا ورحمة ولطفًا بأهله، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، فكان رسولنا الكريم شديد الود والوفاء لزوجته خديجة رضي الله عنها في حياتها وحتى بعد وفاتها، وكان يلاطف زوجته عائشة رضي الله عنها، ويتكئ برأسه في حجرها، ويسابقها بكل لطف وحب وتواضع وود، وهنا يتبين أن الزوج مسؤول مسؤولية كبيرة عن استقرار الحياة الزوجية والعيش مع زوجته في سعادة ووئام، ولا يجوز أن نلقي باللوم كله على الزوجة، ونجعلها هي السبب المباشر في حالة حدوث خلافات ومشاكل بين الزوجين، والحقيقة أن الزوجين هما شريكان وعلى كل منهما مسؤولية المحافظة على بيت الزوجية وحماية الأسرة من الوقوع في الأخطار.

وعليكم أيها الأزواج والزوجات أن تكونوا في بيوتكم أصحاب ابتسامة دائمة وكلمة طيبة وتعامل بلطف وحنان ومودة، وتقدير وثناء لبعضكما البعض، وعدم تضخيم الأخطاء البسيطة، وأن تكون العلاقة بينكم ومع أولادكم علاقة وثيقة كلها حب وتقدير وألفة وود وصفاء ووئام، حتى تعيشوا في أمن وأمان ومحبة وسلام، في ظل مجتمع ودولة قائمة على حماية الأسر من الأخطار، وتوفير عوامل الإستقرار والبناء والإزدهار. وفي الختام نصيحة أبويه صادقة، ابعثها إلى كافة الشباب من الأبناء والبنات الراغبين والمقبلين على الزواج، بعدم الاستعجال فى اتخاذ قرار الزواج، وأن يكون الاختيار وفق أسس وضوابط ومعايير تجعل من هذا الاختيار لشريكة وشريك الحياة الزوجية اختيارًا سليمًا من كل النواحي، لأنَّ الزواج رابطة مقدسة أبدية.

 

* محامٍ ومستشار قانوني

تعليق عبر الفيس بوك