قانون العمل العُماني الجديد.. تشريع يواكب المتغيرات (1)

أ.د محمد ربيع فتح الباب *

لا تزال التشريعاتُ العمانيةُ تضرب أروعَ الأمثلةِ في مواكبة متغيرات الساحة، ومواجهة المشكلات الواقعية التي ظهرت في علاقات العمل في الآونةِ الأخيرة، تلك المشكلات التي أظهرتها جليًا جائحةُ فيروس كورونا Covid-19، وغيرها من الأحداث التي هزت العالم وأثرت بالسلب على حقوق العمال لدى أصحاب الأعمال، والتي عجزُ التشريعُ الملغيُّ عن معالجتها وتنظيمها.

فتنفيذًا لتوجيهات صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله ورعاه- وبإرادةٍ لا يُخالجها شكٌ أو يُخامرها مِراءٌ نحو مُعالجة ما كان بقانون العمل الملغي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 35/2003 من عُوارٍ ونقصٍ، وبهدفٍ أسمى يتجلى في توفير حمايةٍ فعَّالةٍ ومُتميزةٍ للعمال في السلطنة، صدر في السابع من محرم عام 1445هـ، الخامس والعشرين من يوليو عام 2023م، قانونُ العملِ الجديد بموجب المرسوم السلطاني رقم 53/2023، ذلك القانون الذي يُعدُّ -وبحقٍّ- ثورةً تشريعيةً كبيرةً، لطالما انتظرها العمالُ بالسلطنة، في خُطوةٍ تجمع بين مواكبةِ المتغيراتِ العمليةِ وتلافي أوجه النقص التي اعترت سابقه وتحقيق رؤية عُمان 2040، باعتبارها بوابةَ السلطنة لعبور التحديات، والتي من بين أهدافها: خلق سوقِ عملٍ جاذب للكفاءات ومتفاعل ومواكب للتغيرات الديموغرافية والاقتصادية والمعرفية، سوق عمل متميز بقوى بشريةٍ ذات مهارةٍ وإنتاجيةٍ عاليةٍ وثقافةِ عملٍ إيجابيةٍ.

ولعل أهم ما جاء في قانون العمل الجديد يتمثل في التأكيد على التعمين؛ إذ استحدث تعريفًا له، بأنه: "منظومة التشغيل التي تعدها الوزارةُ للمهن بهدف تحقيق التشغيل والإحلال المُستهدف للعُمانيين". كما أكد القانونُ الجديدُ أن العملَّ حقٌّ للعُمانيين، ولا يجوز لغيرهم ممارسةُ العملِّ داخل السلطنة إلا وفق الشروطِ والأوضاعِ المنصوص عليها في هذا القانون والقرارات الصادرة تنفيذًا له. إضافة إلى أن القانون الجديد يُجيز لصاحب العمل إنهاءَ خدمةِ العامل غير العماني تطبيقًا لخطة التعمين في حال قيامه بتعيين عاملٍ عمانيٍّ بديلًا عنه في المهنة ذاتها التي كان يشغلها، وكذلك إلزام صاحب العمل، في حالة إنهاء العقد من جانبه بسبب إخفاق العامل العُماني في الوصول إلى المستوى المطلوب من الكفاءة، بأن يُعيِّن عاملًا عُمانيًّا بديلًا عنه.

كذلك، ولتنظيم ما انتشر في الآونةِ الأخيرة من صورةٍ جديدةٍ للعمل، وهي صورةُ العملِّ عن بُعدٍ، خاصة في ظل جائحة فيروس كورونا Covid-19، استحدث القانونُ الجديدُ اصطلاحَ "العمل عن بعد"، وعرفه بأنه: "نظامُ عملٍ يقوم فيه العاملُ بتأدية عمله أو واجباته باستخدام تقنية المعلومات والاتصالات داخل سلطنة عُمان في خارج مقر المنشأة سواء بشكلٍّ جزئيٍّ أو كليٍّ.

وبالنسبة إلى حقوق العمال، فقد استحدث القانونُ الجديدُ حقًا يُضاف إلى قائمة الحقوق المقررة للعمال، وهو عدم جواز احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل أو وثائقه الخاصة، إلا بموافقةٍ كتابيةٍ من العامل. كذلك جعل القانونُ الجديدُ مكافأة نهاية الخدمة لا تقل عن أجرٍ أساسيٍّ عن كل عام من أعوام خدمة العامل، مهما بلغت مدةُ خدمته لدى صاحب العمل. وإن كنَّا نرى أن اصطلاح "أجر أساسي" الوارد في المادة (61) من القانون الجديد، والمتعلق بمكافأة نهاية الخدمة، هو اصطلاحٌ غيرُ واضحٍ، وكان يتعين تحديدُ مدة الأجر الأساسي؛ إذ إن هناك عمالًا يتقاضون أجورَهم بصورةٍ غير شهرية.

وفي المقابل، استحدث القانونُ الجديدُ التزاماتٍ أخرى تقع على العامل، منها عدم قبول هدايا أو عمولات أو مكافآت أو أموال أو غير ذلك بمناسبة قيامه بعمله بغير موافقة صاحب العمل، وعدم مزاولة نشاطٍ مماثلٍ للنشاط الذي يمارسه صاحبُ العملِّ أثناء سريان العقد، وعدم منافسة صاحب العمل مع ضرورة تحديد الزمان والمكان ونوع العمل الذي يشمله عدمُ المنافسة -حال تم الاتفاقُ عليه.

أما بالنسبة إلى الحد الأقصى المقرر قانونًا لعدد ساعات العمل، فقد نزل به القانونُ الجديدُ من (9) تسع إلى (8) ثماني ساعات فعلية خلال اليوم الواحد، وبحدٍ أقصى (40) ساعةِ عملٍ فعليةٍ في الأسبوع. كما قرر عدمَ جواز زيادة ساعات العمل الأصلية والإضافية على (12) اثنتي عشرة ساعة في اليوم الواحد للعاملين. كذلك قرر القانونُ الجديدُ منحَ العاملةِ المُرضعةِ ساعةً واحدةً يوميًا لرعايةِ طفلها، يُترك تحديدُها للعاملة، وتبدأ بعد انتهاء إجازةِ الوضوع، ولمدة عامٍ واحدٍ.

وفيما يتعلق بالإجازات، فقد استحدث القانونُ الجديدُ صورًا منها بأجرٍ شاملٍ، كالإجازة الأسبوعية مدفوعة الأجر، والتي لا تقل عن (2) يومين متتالين، وإجازة الأُبوَّة، والتي لا تقل عن (7) سبعة أيام، وبشرط ألا تتجاوز اليوم (98) الثامن والتسعين من عمر الطفل، وإجازة الوضع للعاملة، لا تقل عن (98) ثمانية وتسعين يومًا، تُغطِّي فترةَ ما قبل وبعد الولادة، وإجازة (15) خمسة عشر يومًا طوال العام للعامل العُماني لمرافقة مريضٍ تربطه به علاقةُ زوجيةٍ أو صلة قرابةٍ حتى الدرجة الثانية، وأخرى بدون أجرٍ كالإجازة الخاصة بناءً على طلب العامل والتي تكون تقديرية لصاحب العمل، وكذا إجازة رعاية طفل للعاملة لا تتجاوز عامًا واحدًا، وتكون كذلك تقديريةً لصاحب العمل.

فيما عدَّل القانونُ الجديدُ المددَ المقررة لإجازاتٍ أخرى، كالإجازة المرضية التي رفع حَدَّها الأقصى من عشرة أسابيع في القانون الملغي إلى (182) مائة واثنين وثمانين يومًا في العام الواحد، مع استحقاق العامل لنسبة (100%) من الأجر الشامل حتى اليوم (21) الحادي والعشرين منها، ونسبة (75%) من الأجر الشامل بدءًا من اليوم (22) الثاني والعشرين حتى اليوم (35) الخامس والثلاثين منها، ونسبة (50%) بدءًا من اليوم (36) السادس والثلاثين وحتى اليوم (70) السبعين، ونسبة (25%) من الأجر الشامل بدءًا من اليوم (71) الحادي والسبعين حتى اليوم (182) المائة والاثنين والثمانين منها.

كما رفع القانونُ الجديدُ الحدَّ الأقصى للإجازة الخاصة في حالة وفاة أحد الأبناء والبنات من (3) ثلاثة أيام إلى (10) عشرة أيام، وأضاف إليهم الزوجة. ولنا أن نتساءل في هذا المقام عن عدم النصّ على الإجازة الطارئة التي تُقرر لمواجهة أيِّ ظرفٍ طارئٍ!

 

* أستاذ القانون المدني - كلية الحقوق بجامعة عين شمس وكلية البريمي الجامعية، منسق الدراسات العليا ببرنامج القانون

تعليق عبر الفيس بوك