المنظومة الاجتماعية.. السياج الآمن للوطن والمواطن

عبد الله العليان

بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية منذ عدة أيام، تصادف أنني التقيت في مناسبة عامة في ولاية صلالة جمعًا من الناس، فوجه لي مجموعة منهم في تلك الجلسة العامة قولهم: أنتم الكتاب والصحفيون تقرأون ما بين السطور في مثل هذه القضايا أو القوانين التي تصدر، أو متابعون لكل جديد، فنريد منك المعرفة الدقيقة التي توضح منافع هذا القانون، وهذه المنافع كثيرة وربما بعضها في هذا القانون الصادر متداخلة، وهناك إشارات لاشتراطات بعينها لبعض المنافع وبعضها غير ذلك، وقد لا تكون الأمور واضحة حسب فهمنا، ووسائل التواصل الاجتماعي بها من الأقاويل الكثيرة المتناقضة حولها، وقد لا يكون بعضها مصدرا للتفسير الصحيح؟ كما أنَّ التفاسير التي تناقش في وسائل عامة كشبكات التواصل الاجتماعي قد تكون آراء وتوقعات، لا تفي بالقول الناجز والصحيح في منافع هذا القانون.

 قلت لهم: لسنا مطلعين ككتاب أو صحفيين بحكم بُعدنا عن الجهة المختصة بهذا القانون ومحدداته وأنظمته، وعادة القوانين التي تصدر -كما نعلم- وأنا على دراية بالقانون وتغّربتُ من أجله في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، أن لكل قانون صادر مذكرة إيضاحية مُصاحبة، وهذا معروف، لكن قانون الحماية الاجتماعية الصادر لا يحتاج إلى مذكرة إيضاحية، لأنه صدر بالتفسير والتوضيح معاً، كما أنَّ بعض المسؤولين في بعض الجهات الرسمية، ومنها صندوق المنظومة الحمائية، وبعض من أعضاء مجلس الشورى، وغيرهم تحدثوا عن تفسير هذا القانون، وشرحت لهم ما عرفته من هذه التوضيحات، وسعدوا سعادة غامرة، لأنَّ الأمر ربما لم يكن بهذا التوقع الجيد، لما كان سائداً من الظروف الاقتصادية للسلطنة والعالمية، وهذا بحمد الله أهم الإنجازات لنهضة عمان المتجددة.

ولا شك أن قانون الحماية الاجتماعية، كان الهدف الأساسي منه -كما أكد على ذلك جلالته وفقه الله تعالى- توفير الحياة الاجتماعية الكريمة للمواطنين والعيش الكريم اللائق، والتخفيف عليهم من أعباء الحياة وتحولاتها بظروفها المختلفة، فكان هذا التوجيه الأسرع لكون هذا النظام شاملا لكل الأسر، لكبير السن والصغير أيضاّ من أبناء هذا الوطن العزيز ممن تتوافر فيهم هذه الصفات، وقد وعد جلالته في خطابه في العيد الوطني الخمسين، فقال بالنص: "بالرغمِ مِنَ التحدياتِ التي تواجهُ اقتصادَنا إلا أننا على يقينٍ بأنَّ خطةَ التوازن ِالماليِّ والإجراءاتِ المرتبطةِ بها، والتي تمَّ اعتمادُها مِنْ قِبَلِ الحكومةِ مُؤخراً ستكونُ بلا شكٍّ كافيةً للوصولِ باقتصادِنا الوطنيِّ إلى برِّ الأمان ِوسوفَ يَشهدُ الاقتصادُ خلالَ الأعوامِ الخمسةِ القادمةِ معدلاتِ نموٍّ تلبي تطلعاتِكم جميعاً أبناءَ الوطنِ العزيز. وتأكيداً على اهتمامِنا بتوفيرِ الحمايةِ والرعايةِ، اللازمةِ لأبنائِنا المواطنين، فقد وجّهْنَا بالإسراع ِفي إرساءِ نظامِ الحمايةِ الاجتماعيةِ؛ لضمان ِ قيامِ الدولةِ بواجباتِها الأساسيةِ، وتوفيرِ الحياةِ الكريمةِ لهم وتجنيبِهم التأثيراتِ التي قد تنجمُ عن بعضِ التدابيرِ، والسياساتِ المـالية، كما سنحرصُ على توجيهِ جزءٍ من عوائدِ هذه السياساتِ الماليةِ إلى نظامِ الحمايةِ الاجتماعيةِ؛ ليصبحَ بإذن ِاللهِ تعالى مِظلةً وطنيةً شاملةً لمختلفِ جهودِ وأعمالِ الحمايةِ والرعايةِ الاجتماعية".

ولا شك أن وعد جلالته -أعزه الله- تحقق بحمد الله وصدر القانون وظهرت المنافع، رغم التحديات الواقعة في بلادنا، بسبب الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، واضطرابات الحروب والتوترات في العديد من الدول، والتي بلا شك له أثرها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي العالمي، وهذا يبرز اهتمام جلالته وفقه الله، بحياة المواطن ومعيشته الكريمة، ومن خلال تأسيس هذه الحماية؛ باعتبارها رافداً مهما من روافد الدخل المالي، وربما بلادنا سبقت الكثير من دول العالم في إقامة هذه المنظومة الاجتماعية، من صغير السن إلى كبارهم.

وقد يسأل البعض.. والسؤال متاح لكل سائل في رأيي: ماذا عن توظيف المخرجات من الشباب؟ وهذا سؤال مهم بلا شك، ولست مسؤولا معنيًا بالإجابة، لكني كمتابع عن بعد، ومهتم بقضية التوظيف قد كتبت العديد من المقالات والتعليقات في وسائل التواصل، لكن بحكم أنني كاتب وقانوني، أرى وأعتقد في نفس الوقت، أن نظام الحماية الاجتماعية أسبق في الأهمية لاعتبارات جوهرية، ذلك أنَّ الدولة تقدمه من موازناتها، وليس نتيجة توظيف مقابل عمل وتعاقد بين الحكومة وبعض مواطنيها، وهذا التوظيف متوزع بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي، كما أن التوظيف بحسب علمي لم يتوقف، فهو مستمر من أكثر من عام وفي القطاعين العام والخاص، لكنه يمشي ومن خلال ثوابت القوانين التي بعضها صدر، وبعضها الآخر في طريقه للصدور، وهذا الأمر متحرك وسيتحرك ولن يتوقف، ولا شك لنظام الحماية الاجتماعية آثار كبيرة جدا في كل بيت عُماني، وهذا الأثر بلا شك سيخفف الحمل عن الشباب المقبل على التوظيف، ويحقق استقراره العائلي بعد ذلك، وهذه أهم المرتكزات التي سعى إليها جلالته حفظه الله منذ توليه الحكم، إذ شدد جلالته في أحد خطاباته السامية على المبادئ والقيم الذي سارت وتسير عليها بلادنا، منذ نهضتها الحديثة والمتجددة، والتي حددها النظام الأساسي للدولة، لاسيما قضية الحقوق والواجبات والحريات، وتحقيق العدالة، وتكافؤ الفرص، بين المواطنين، التي تعد من الثوابت، وليست من المتغيرات، والتي تحرص عليها النهضة العمانية الحديثة، والتي تعد من المنجزات التي نفتخر بها في بلادنا عُمان، وقال جلالته في هذا الصدد: "إن مما نفخر به، أن المواطنين والمقيمين على أرض عُمان العزيزة يعيشون بفضل الله في ظل دولة القانون والمؤسسات، دولة تقوم على مبادئ الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، قوامها العدل، كرامة الأفراد وحقوقهم وحرياتهم فيها مصانة، بما في ذلك حرية التعبير التي كفلها النظام الأساسي للدولة".

وهذه المرتكزات تجعل المواطن شريكًا للدولة في حركتها، واعتبر جلالته أن دور المواطن في حاضر نهضته الحديثة ومستقبلها، هو بمثابة دور الشريك في هذا البناء الوطني، وهذه مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن، وهذه مسألة ليست عابرة أو ثانوية، فالموطن -الرجل والمرأة- شركاء شراكة كاملة، ضمن الحقوق والواجبات التي كفلتها النظم والتشريعات، ولا شك أن منافع الحماية الاجتماعية التي هي مجال حديثنا في هذا المقال، هي بلا شك نقلة نوعية في وطننا عُمان بكل ما تعنيه الكلمة، وبإذن الله البشائر الطيبة ستتوالى ولن تتوقف.

حفظ الله جلالته، وسدد خطاه في سعادة الوطن والمواطن.