تشخيص الأمراض الاقتصادية نصف العلاج

 

 

مرتضى بن حسن بن علي

ليس هناك خلاف بأن الاقتصاد في أي بلد يمثل ركيزة في غاية الأهمية لتحقيق التقدم المستمر في كافة المجالات؛ لذلك فإنَّ دراسة الأسباب المؤدية لبروز الأزمات والمشاكل الاقتصادية المتكررة لا بد أن تحظى بأهمية بالغة لمنع تكرارها.

وكل خططنا الخمسية، ابتداءً من الخطة الخمسية الأولى "1976-1980" ومرورا بكل الخطط الخمسية التالية، ووصولا إلى وضع وثيقة "عمان 2020" وما تلى ذلك من خطط خمسية أخرى كانت تنادي بعدم الاعتماد على النفط والغاز، وتنمية مصادر جديدة متنوعة للدخل القومي تقف إلى جوار الإيرادات النفطية وتحل محلها لاحقاً، إضافة إلى تأسيس المشروعات الأخرى المحققة للدخل والموفرة لفرص العمل، والاعتماد على اقتصاد المعرفة، وإيجاد قطاع خاص قوي ومنتج ومتنامٍ وبيئة جاذبة للاستثمارات، وقوانين عمل مرنة وصديقة للاستثمار وإيجاد جيل جديد من العمانيين ليقوموا بواجبهم لبناء البلد والإحلال محل الوافدين عن طريق تأسيس منظومات تعليمية وتدريبية وتشريعية متطورة، وقادرة أن تتغير مع تغير الأطراف والأحداث والزمن، وتنفيذ كل الخطط والوسائل المؤدية لبناء مقومات اقتصاد وطني حر ومتين.

لكن بقيت الفروقات كبيرة جداً في كل الخطط بين المخطط والمتحقق، وبقيت معظم الإيرادات معتمدة على النفط والغاز، وليس على المحركات الوطنية، ومصادر دخل متنوعة والقوة البشرية العمانية، كما بقي الإنفاق الحكومي معتمدا على أسعار النفط.

علينا أن نتساءل: ما هي الأسباب آلتي أدت لإخفاقنا في تنفيذ خططنا؟ لماذا لم ننجح في تنويع مصادر الدخل؟ ولماذا ظل النفط هو سيد الموقف ومصدر إيراداتنا الرئيسي، مع أن عمان تزخر بمؤهلات جمَّة، منها ثرواتها الطبيعية (بترول، غاز، معادن أخرى، الثروة السمكية، الثروة الزراعية، مواد أولية متعددة، إمكانيات سياحية عديدة، وموقع جغرافي متميز...إلخ"، إضافة إلى ذلك ما سبب إخفاقنا في تنمية الموارد البشرية وتنمية مهاراتها بصورة مستمرة وإيجاد فرص عمل مجزية لشاباتنا وشبابنا ولماذا لم نتمكن من تطوير أنظمتنا التعليمية والتدريبية؟

هل المناقشات والقرارات التي كانت تصاحب وضع الخطة الجديدة لم تكن تقوم بتقييم الخطة السابقة ومقدار النجاح آو الإخفاق الذي صاحبها أو أن تقييم الخطة السابقة لم يكن يصل إلى معرفة جذور المشاكل التي صاحبت تنفيذ الخطة السابقة؟ أو غابت الأسئلة الجوهرية لتشخيص مواطن الخلل وتحديد أسباب تعثر مشاريع التطوير، أو حصل ذلك بسبب غياب المساءلة والمحاسبة أو أن السياسة المتبعة كانت تتمثل في ترحيل المشاكل إلى المستقبل؟ هل كل ذلك وقف مانعًا من استخلاص الدروس، ومن ثم مواجهة العوامل التنظيمية والثقافية والبيئية والإدارية التي أعاقت تنفيذ الخطط؟!!!

وكما يقال في الطب إن تشخيص الأمراض نصف الطريق إلى علاجها، فإن القول نفسه ينطبق على الأمراض الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية...إلخ.

والكشف عن الأمراض الصحية والعلل العضوية اختلفت أساليبه، وعليه فلا بد أن تختلف الأساليب وطرق التفكير خارج الصندوق للكشف عن العلل الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، ومن المهم إيجاد توصيف دقيق للمشاكل آلتي نُعانيها ومسبباتها للوصول إلى تشخيص سليم قبل توصيف العلاج.

وفي العلل الصحية كان الفحص في البداية يتم بالنظر، ثم تلاه الفحص باليد، ثم تصورنا أن الكشف بلغ مداه باستعمال ميزان الحرارة وجهاز قياس الضغط. أما الآن، فوسائل الفحص لا أول لها ولا آخر، منها التحاليل المختبرية، الكيمياوية والمناعية والجينية، كما هناك وسائل التصوير بالأشعة التي تنفذ إلى كل موقع من الجسم، وهناك الدراسات الفسيولوجية والكهربية التي تختبر كل جزئية، وهناك المناظير الداخلية التي تخترق أعماق الجسم، وهناك تحاليل ودراسة الأنسجة لفك طلاسم التركيب البشري ذاته، وكل وسيلة من هذه الوسائل تحمل معها آلاف الاختبارات، حتى لقد أصبح في مقدور الطب أن يرصد العلل المتربصة بأي إنسان قبل ولادته.

تكرار مشاكلنا وأزماتنا الاقتصادية يعني أننا لم نعثر على علاج ناجع، بسبب خطأ أو نقص في التشخيص أو بسبب عدم توافر الإرادة والإدارة، وتظل إعادة الفحص ضرورية خصوصا بما يستجد من وسائل قادرة على الإحاطة بكل الأبعاد والنفاذ لأعماق الأعماق.

خلاصة القول.. من الخطورة بمكان الاعتماد بشكل كبير على العائدات النفطية في إدارة شؤون البلاد؛ لأنها تتأثر بشكل مباشر بالتقلبات السياسية والأمنية التي تشهدها المنطقة والعالم، إضافة لتطور وسائل الطاقة المختلفة الأخرى؛ ومنها مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة كما أنها مصادر ناضبة؛ لذلك فمن المهم تنويع مصادر الدخل ودعم قطاع صادرات المنتجات غير النفطية لتعزيز الاقتصاد الوطني والحيلولة دون هدر الإمكانات، التي ينبغي أن تتم الاستفادة منها بشكل علمي ودقيق والاستفادة المثلى من المهارات والطاقات العلمية من خلال انتهاج إستراتيجية قادرة على تلبية طموحات وتطلعات كافة شرائح المجتمع وفي مختلف الظروف. ومن الضروري الإشراف على العملية الاقتصادية برُمتها من قبل الجهات ذات العلاقة في إطار برنامج متكامل قائم على أساس تشخيص الأولويات، وبما يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة التي ستشهد الكثير من التحديات في شتى الميادين، لا سيما في الميدان الاقتصادي.