حاتم الطائي:
◄ منظومة الحماية الاجتماعية تُترجم الحرص السامي على تحسين جودة الحياة وتوفير معيشة كريمة للمواطن
◄ دولة النهضة المتجددة تواصل المضي قدمًا على درب التطوير ومواكبة مُستهدفات "عُمان 2040"
◄ المنظومة تؤتي ثمارًا يانعة يستفيد منها كل مواطن ولا سيما الفئات الأقل دخلًا وفرصًا
نقلةٌ حضاريةٌ اجتماعيةٌ كُتبتْ سطورُها بماءٍ من ذهبٍ؛ لتكونَ أحدَ الأعمدة الشامخة الراسخة في مسيرة النهضة المتجددة التي يقودها بحكمة وحنكة ورعاية منقطعة النظير، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه. فمع صدور قانون الحماية الاجتماعية ونظاميْ صندوق الحماية الاجتماعية وصندوق تقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية، يتحقق للمواطن العُماني ما كان يصبو إليه من مظلة اجتماعية شاملة وجامعة لكل فئات المجتمع، ويتعزَّز الاستقرارُ الاجتماعيُّ لأبناء عُمان الأوفياء، في ظل ظروف ومتغيرات خارجية وداخلية تُؤثر على مستوى المعيشة، وعلى الآفاق المستقبلية، لكنَّ الحكمة السامية والرؤية السديدة لعاهل البلاد المُفدى، أرست منظومة حماية اجتماعية متكاملة، تسعى لتحقيق أسمى الغايات وأنبل الأهداف، على أسس العدالة الاجتماعية، ومبادئ المساواة بين مختلف الفئات، وقواعد الضمان الاجتماعي الذي يحقق أكبر قدر من المعيشة الكريمة لكل مواطن يحيا على تراب هذه الأرض الطيبة.
وعندما نُمعن النظر في المرسوم السلطاني رقم (52/2023) القاضي بإصدار قانون الحماية الاجتماعية، وما يتضمنه هذا القانون من تفاصيل وآليات عمل ومُستهدفات وغايات، نُدرك حتمًا حجم الجهد والعطاء الذي بُذِلَ من أجل أن ترى هذه المنظومة المتكاملة النور، وذلك على مستويات عدة، نوضحها فيما يلي:
البُعد التشريعي
إذ إنَّ هذا القانون يستند إلى مبادئ وأهداف النظام الأساسي للدولة، والذي يشتمل في فصله الثالث على المبادئ الاجتماعية، وعلى نحو خاص النص التالي: "تكفل الدولة للمواطنين خدمات التأمين الاجتماعي، كما تكفل لهم المعونة في حالات الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وذلك على النحو الذي يبينه القانون"، وهو ما يؤكد أن مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية ماضية في جهودها من أجل ترجمة أهداف وغايات النظام الأساسي وما نصَّ عليه من حقوق وواجبات؛ سواء على الدولة أو المواطن.
كما أنَّ قانون الحماية الاجتماعية، يأتي مُستَنِدًا إلى 24 مرسومًا سلطانيًا سبق صدورها؛ أي أنَّ هذا القانون الجديد يرتكز على أسس ومضامين 24 قانونًا، وهذا في لغة التشريعات والقوانين، يمثل قانونًا جامعًا وشاملًا للعديد من الأهداف على مختلف المستويات؛ اجتماعية واقتصادية وسياسية، علاوة على نقطة بالغة الأهمية؛ وهي أن هذا القانون لم يرَ النور إلا بعد العرض على مجلس عُمان، الذي يمثل السلطة التشريعية في وطننا، والذي يضم مجلسي الشورى والدولة؛ مما يعني أن القانون قد أشرف على صياغته أبناء عُمان البررة، من أصحاب الخبرات التشريعية والقانونية، والذين كفل لهم النظام الأساسي والقوانين السارية سلطة التشريع كجزء من مهامهم ومسؤولياتهم الوطنية. ويمكن القول في هذا الجانب، أن أبناء عُمان جميعهم كانوا شركاء في صياغة بنود ونصوص هذا القانون، وتلك المنظومة الاجتماعية المتكاملة.
البُعد الاجتماعي
حيث وضع المُشرِّع العُماني جُملة من الأهداف والغايات من قانون الحماية الاجتماعية؛ وفي المقدمة منها الأهداف الاجتماعية؛ إذ مع سريان القانون ومن ثم منظومة الحماية الاجتماعية المؤسسية المتكاملة، يكون قد تحقق للمواطن العُماني عدة مقاصد اجتماعية، على رأسها ضمان مستقبل اجتماعي أكثر استقرارًا، وخطة تقاعد شاملة ومتكاملة وواضحة المعالم يستطيع من خلالها المواطن أن يحيا حياة كريمة، علاوة على خطة ادخار. ومن أبرز المقاصد الاجتماعية كذلك، أن منظومة الحماية الاجتماعية في مُجملها، توفر مظلة تأمينية اجتماعية ومنافع نقدية لعدد من فئات المجتمع، وتشمل الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص، والأرامل والمُطلقات، والأيتام، والأطفال، وذوي الإعاقة، وكبار السِّن، وأيضًا الأُسر الأقل دخلاً والأقل فرصًا في كسب الرزق، إلى جانب توفير تغطية تأمينية في حالات العجز والوفاة وإصابات العمل والإصابة بالأمراض المهنية، كما لم تغفل المنظومة إجراءات اجتماعية تُسهم في تماسك الأسرة وتنشئة الأطفال على نحو يضمن لهم مزيدًا من الأمان الاجتماعي، مثل حق الأم المُرضعة في إجازة أمومة، وكذلك حق الأب في إجازة أُبُوَّة.
ومما يُحسب لمنظومة الحماية الاجتماعية، أنَّها تؤكد في العديد من بنودها ومضامينها، على أهمية إيلاء فئات بعينها مزيد من الحماية والإجراءات التي تراعي ظروفها، وخاصة المرأة، فمثلًا سن تقاعد المرأة يكون عند 55 سنة، بينما الرجل 60 سنة، كما أنَّ منفعة دعم دخل الأسر تشمل "البنات غير العاملات ممن لم يبلغن 40 عامًا إذا كانت غير متزوجة أو مُطلقة وليس لديها أبناء"، بينما هذه المنفعة ذاتها تشمل الأبناء الذكور غير العاملين حتى 26 عامًا فقط. إضافة إلى اهتمام هذه المنظومة بفئة الأطفال؛ إذ تُخصص لهم المنظومة امتيازات وحقوقًا لا تتوافر لغيرهم من الفئات.
ومن جانب آخر، تضمن المنظومة عددًا من الإجازات للموظف، تساعد على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتعزز التماسك الأسري، مثل إجازات الزواج وإجازات وفاة الأقارب وإجازات مرافقة مريض، وغيرها. فضلًا عن إجازة وفاة الزوج للمرأة المُسلمة والمُقدّرة بنحو 130 يومًا، أي فترة العِدّة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
البُعد الوظيفي
لقد أرست منظومة الحماية الاجتماعية دعائم الاستقرار الوظيفي، والمسار الوظيفي الواضح لجميع العاملين في مختلف القطاعات بالدولة، مع تأكيد مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، وذلك بفضل توحيد صناديق التقاعد في منظومة مؤسسية واحدة جامعة؛ الأمر الذي يُسهم في ضمان جودة الحياة عبر تغطية تأمينية وحماية اجتماعية عادلة، تمنح الموظف/العامل ما يطمح له من استقرار وظيفي، يساعده على بناء مستقبله مع شعور بالأمان فيما يتعلق بخطة تقاعده بعد انتهاء سنوات خدمته.
وعلاوة على ما سبق، فإنَّ نظام التأمين الاجتماعي الجديد يحقق التغطية التأمينية لجميع العاملين في مختلف القطاعات، بما في ذلك "العقود المؤقتة وعقود التدريب والعاملين لبعض الوقت، والعاملين المتقاعدين الذين على رأس عملهم، وأعضاء مجلس عُمان والمجالس البلدية، والعُمانيين العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم، والعُمانيين العاملين في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذين تسري عليهم أنظمة مد الحماية التأمينية، كما تُغطي اختياريًّا العُمانيين العاملين في الخارج ومن في حكمهم، والعُمانيين من غير الفئات المذكورة. إلى جانب إطلاق نظام متكامل للراغبين في الحصول على معاش مُبكِّر، في خطوة تستهدف مساعدة الموظف على بناء مسار وظيفي آخر بعد قضاء مدة معينة في السلك الوظيفي. ونرى أن هذه الميزة ستساعد أفراد المجتمع في التحوّل نحو العمل الحر، وإدارة مشاريعهم.
ومن بين أنواع التأمين التي تتيحها هذه المنظومة المتكاملة، تأمين الأمان الوظيفي، والذي يضمن حقوق المؤمن عليه من مخاطر انتهاء الخدمة؛ حيث "يوفر للمنتفع دخلًا مؤقتًا يعينه خلال فترة البحث عن فرصة عمل بديلة".
البُعد الاستثماري
ويتجلَّى هذا الجانب في فكرة توحيد صناديق التقاعد في منظومة استثمارية شاملة جامعة، ومن ثم إدارة استثمارات المنظومة وفق قواعد حاكمة وشفّافة، تضمن تحقيق أعلى عائد استثماري، إضافة لمركزية رسم الخطط الاستثمارية وتنفيذها، مما يعزز من الموقف المالي للمنظومة بأكملها، ويساعد القائمين عليها على تحقيق أكبر قدر من المنافع الاقتصادية والاستثمارية، علاوة على تحقيق أعلى المعدلات من حيث الأداء المالي والربحية. كما أنَّ من شأن هذه المنظومة أن تُعزز من كفاءة الإنفاق العام للدولة، خاصة وأنَّ الدولة تتحمل جزءًا من الأعباء المتعلقة بتوفير الموارد المالية الخاصة لهذه المنظومة.
وبفضل ما سبق واستعرضناه من تفاصيل هذه المنظومة غير المسبوقة، فقد أشادت منظمة العمل الدولية بالقانون والمنظومة بأكملها، مُثمّنة ما تتضمنه المنظومة من إصلاحات تحقق الطموحات، وقالت إن القانون الجديد "يُعيد تشكيل نظام الحماية الاجتماعية بشكل جذري في سلطنة عُمان ويمثل تتويجًا لعملية إصلاح طموحة أُطلقت بموجب برنامجي "توازن" و"استدامة" الهادفيْن لتحقيق التوازن المالي واستدامته".
ويبقى القول.. إنَّ هذه المنظومة المتكاملة لتؤكد الحرص السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان المُفدى -نصره الله- وما يوليه جلالته من رعاية أبوية لأبناء شعبه الأوفياء؛ إذ إنَّ قانون الحماية الاجتماعية وضع بالفعل الأساس المتين لأضخم وأشمل منظومة تأمين اجتماعي مُتكاملة في وطننا الحبيب، تضمن حقوق الأجيال وتساعد على توفير معيشة كريمة لكل مواطن، علاوة على أنها تعكس إيمان الدولة العميق بأحقية المواطن في حياة آمنة ومستقرة. كما تتكامل المنظومة مع جهود الدولة الأخرى الساعية للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن؛ وذلك وفق رؤية مستدامة، توفر تغطية وحماية اجتماعية لمختلف فئات المجتمع، وبما يحقق مُستهدفات الرؤية المستقبلية "عُمان 2040"؛ تحقيقًا للاستقرار والرخاء والازدهار الاجتماعي في عُماننا الحبيبة.