متاحف الذاكرة!!

عائض الأحمد

روتين الحياة وتعاقب أيامها حد التشابه يجعل من أقدامك قبل عقلك حافظة لمكانها دون أن تبذل جهدًا في أين تقف، فتكرار المسار حفظه العقل الباطن دون أن تبذل جهدا آخر في معرفة طريقك، وقس عليه بقية يومك وأسبوعك إن لم يكن عامك وأعوامك.. يُحدِّثني قائلا أقسم لك أني أخرج صباحا منذ ثلاثين عاما، دون أن أنظر أو ألتفت حتى وأنا أعبر الشارع، فأنا أحفظه يا رجل، ولم أعد أبالي بما يحدث أو أي مفاجأة أبدأ بها يومي، حينما تحفظ دون أن تبتكر أو تضيف شيئا مختلفا فستجد المحصلة جسدًا خاويا يعرف الطريق ذهابا وعودة دون أن يتشارك لحظات الألم قبل الفرح، لم يحدث أن وضع في متحف أيامه شيئًا يذكر، غير تلك الخطوات المتثاقلة والأوراق المتكدسة، وذاك الوجه الشاحب المتسائل بعد فوات الأوان: من أنا؟

البناء في عُرف المتحدثين صعب ولحظات هدمه أقل صعوبة، فكيف بمن نسي الأولى وتعمد إهمال الثانية حينما سقطت منه دون أن يدرك عاقبة التعلق بأوهام ضعفه، معتقدا أنَّ حياته ليست أكثر من أسرة ومال وقليل من مجاملات تحفظ ماء الوجه مجبرٌ على أكثرها دون أن يؤمن بها، ثم ماذا؟ لا شيء يعول عليه أو يُبقيه في حدود إنسانينه حينما يحتاج الوقت لرعاية نفسه واحتضان جسده ومواساة انفعالاته وكبح جماح غضبه، بعد أن هرم واحتاج كل لحظة تمر دون أن تطهر قلبه وتجلو عينيه بصفاء العيش ولذة الحياة، وهو على أعتاب ختامها، فأي حسنات تنشدها وقد انحنى ظهرك واشتعل الرأس شيبا، أقليل من كثير فات ترجوه اليوم، قد يكون لك ذلك إن أمهلك العمر فضع في أرفف متحفك أنا عُدت ولكن أين الأرفف؟

شيء من ذاته:

تجاوزت مراحل الصمت ووصلت إلى تعبير الابتسام، يتلوها في مراحل متقدمة الإطار الذهبي، ويعني التموضع في مكانك دون أن يهتز لك طرف أو يصدر عنك رفّة رمش مهما علت الأصوات، مُردِّدا بصوت خفي أقرب لحديث النفس سحقا لكل هذا.

صورة:

وقفت في خريف العمر مُتأبِّطا حقيبتي منحني القامة، مُنْتَصِفًا الطريق بنظرة لم تكتمل، فإذا خلفي حسرة وألم، وأمامي مارة لم يعرفني منهم أحد فأطبق علي الصمت وكانت النهاية!!