أذكى مدينة في العالم

 

 

مؤيد الزعبي *

هل تخيلت كيف سيكون شكل المدن في المستقبل؟ هل توقعت أنها ستكون أكثر ذكاءً مما تعتقد وبأنها سترتبط ببعضها البعض من أبنية وسيارات وحتى أشجار وبحار وستكون أنت كقاطن بداخلها جزءا من تكوينها الرقمي ومرتبط بشبكتها لدرجة أنك ستستطيع إتمام كل ما يحلوا لك في هذه المدينة وأنت جالس في بيتك، في هذا الطرح سنسافر سوياً لنكتشف أذكى مدينة في العالم.

تطورات مهولة تشهدها حياتنا في مختلف الجوانب والتي ستؤثر على شكل المدن وتغير من متطلباتها لتكون مدينة ذكية، خصوصاً وأننا الآن على أعتاب استخدام السيارات ذاتية القيادة ووسائل نقل متكاملة مشغلة بواسطة الحواسيب والتقنيات الحديثة، ولا أقصد وسائل النقل أي وسائل النقل العام بل أقصد كل ما يمكن استخدامه للنقل أو التنقل، كل هذا سيعمل ذاتياً من سيارات وشاحنات وطائرات وقطارات وحتى دراجات هوائية ونارية وصولاً للسكوتر، وهذا كله يتطلب تغيير في طبيعة البنية التحتية للشوارع والأنظمة المرورية، وصحيح أن شكل الشوارع لن يتغير في المدن الذكية لكونه مناسب ومتناسب مع وسائل النقل ولكن ما سيختلف هو التقنيات المزودة في الشوارع، فلا يمكن أن نتحكم بجميع وسائل النقل هذه بشكل ذاتي وآلي دون أن نحقق معايير خاصة للشوارع والتي يجب أن ترتبط بالإنترنت وتكون جزءًا من التشغيل الذاتي أساساً.

ربما لم تصلك الفكرة كاملة؛ عندما نتحدث عن سيارة ذاتية القيادة؛ فالأمر لا يقتصر على حساسات قادرة على توجيه السيارة داخل مسارات الطريق والتكيف مع كل شيء تتعرض له أثناء الرحلة من سيارات يجاورونها ومارة يعبرون الشارع وإشارات ضوئية وغيرها من الأمور، وجميع الشركات المطورة لهذه التقنيات تعتمد على السيارة نفسها فتحاول أن تطورها لتستطيع السير ذاتياً، ولكن عندما تصبح جميع السيارات ذاتية القيادة يجب على المدن أن توفر شبكات عالية السرعة لتكون كل سيارة مرتبطة بشبكة أو نظام خاص بهذه المدينة فتستطيع السيارات تلقي التحذيرات إن وجدت، أو حتى يمكن تسير جميع السيارات ضمن شبكة واحدة لضمان الانسيابية في حركة المرور ولضمان وجود تراسل بين السيارات أنفسها فتستطيع تحديد مساراتها وسرعاتها بما يتناسب مع كل شيء حولها.

المدن الذكية لا يقتصر الأمر فيها على تغيرات في الشوارع فقط، بل حتى المطارات سيتغير شكلها وإجراءاتها، ستكون أقرب لمحطة باصات داخلية من سرعة الإجراءات واتمتتها بشكل كامل، فلا داعي للوثائق والبيانات طالما هناك بصمة إلكترونية أو هوية إلكترونية لكل شخص ولكل شيء من حولنا، فأنت من خلال هويتك الرقمية أو بياناتك الرقمية تستطيع عبور المطار كأنك تعبر سوق أو مول وتركب طائرتك دون أي تدخل بشري، وحتى شكل المطارات سيتغير خصوصاً وأن تقنيات ثورية في مجال السيارات الطائرة أو الطائرات الشخصية بدأت بالدخول فعلياً حيز التنفيذ، ومن الطبيعي أن مثل هذه الأمور ستغير شكل المطارات والتنقل الجوي بشكل كامل.

في المدينة الأكثر ذكاء في العالم الجمادات مرتبطة بالإنترنت وحتى الأشجار والنباتات وليس مرتبطة بالإنترنت فقط بل مرتبطة بأنظمة أكثر تعقيداً بحيث يمكن إدارة حديقة عامة والعناية بها ذاتياً، فالأشجار والنباتات ترسل من خلال مجساتها الرقمية ما تحتاجه من ماء وغذاء، ويمكن أن ترسل رسالة تحذيرية بأنها مريضة فيصلها الماء والعلاج عبر الوريد أو عبر شبكة الري المتطورة فتصلها هي دون غيرها ما تحتاجه من مواد إضافية، ولو كانت الشجرة بحاجة لتقليم مثلاً سيكون بمقدور الروبوتات أن تتوجه مباشرة لتقليمها ذاتياً دون أن نتحدث نحن البشر، نحن فقط نراقب ونستمتع والروبوتات تخدمنا.

أيضاً في مجال الخدمات الحكومية فكل شيء سيكون متاحاً عبر الشبكة وليس فقط الخدمات متاحة عبر الشبكة بل حتى معالجتها واتمامها سيكون إلكتروني أو رقمي بشكل كامل دون تدخل البشر أيضاً، وحتى في عالم التسوق لن تكون المولات ولا الجمعيات على هذا الشكل، بل ستكون ثلاجتك هي المسؤولة عن إعداد طلبياتك من السوبر ماركت، والتي سترسل لك ما تحتاجه دون أن تعرف أنك تحتاجه، ولكن أن تتخيل أن عملية ربط كهذه ستتصل بالأقسام المعنية في الحكومة فتقدم لهم تقريراً مفصلاً عن وضع الأمن الغذائي وما يتوفر من مخزون استراتيجي للسلع، وبناء على بيانات كل ثلاجة في كل بيت ستعرف الحكومات بأن عليها طلب المزيد من مادة معينة لأنه قارب على النفاذ.

في أذكى مدينة في العالم لن تكون المباني بحاجة لأن نصينها أو نبنيها ذاتياً، بل ستكون كل حجر فيها مرتبط بشريحة إلكترونية فنعلم أين الخلل وما يحتاجه من صيانة، وفي عمليات البناء ستكوت الطابعات ثلاثية الأبعاد والربوتات المتخصصة هي من تقوم بعمليات البناء من صب الخرسانة والتبليط وصولاً للتلميع والنظافة والتي هي الأخرى ستكون ذاتية دون تدخل البشر.

المدن الذكية ستشهد تطورات كبيرة في العديد من الجوانب، ولن تشبه مدن اليوم إلا في بعض التفاصيل البسيطة وكل شيء سيتغير ويتجه نحو أن يكون ذاتياً ذكياً مدروساً مربوطاً متصلاً بشبكات وأنظمة ذكاء اصطناعي تقدم التحليل الكامل لكل جزء في المدينة وتتخذ القرارات والتحسينات بناء على معطيات حقيقية وتنبؤات حقيقية.

 

* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط