كتاب "خريف زنجبار" وعشرة دروس للعمانيين

 

 

 

المكرم السيد نوح بن محمد بن أحمد آلبوسعيدي *

 

كم هو جميل ومثير الكتاب الذي أصدره الأخ الجليل الأستاذ عبدالله بن علي المجيني، مؤخراً، بعنوان "خريف زنجبار: غيضٌ من فيض"، على شكل رواية صدرت عن دار الحكمة - لندن. فهو مبني على أحداث حقيقية بما ألّم بالعمانيين في زنجبار بداية الستينات وهي حقبة طالما روى عنها العمانيون آلاماً وأحزاناً لا توصف.

فإن شئت فهو رثاء يبكيك أو معلومات تثريك أو رواية تسلّيك، لكن الأهّم أنها حكمة سياسية تنبّهك عما حذّر منه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم في دعائه المأثور: "اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتقلّب عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك".

ورغم ظاهر السرد الروائي الممتع والأسلوب اللغوي المشوّق، لكن هناك دروساً لا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ. الحدث ليس بسيطاً ليعبر في الانفاق السفلية للتاريخ مهما اريد له الإخفاء والكتمان. نكبة زنجبار هي جرح عميق غائر لا يزال ينزف وأن الفضائع التي ألمّت بالعمانيين هي أبشع مما هو مكشوف. إنه سقوط حكم وتدهور دولة دام حكمها لقرون وتشتت بشر وسفك دماء وضياع حقوق وظلم جائر.

الدرس الأول: أن الركون للاوليجاركية وطبقة التجار هو من المسببات الرئيسية. فمن هولاء ما همَّه البيع والشراء وكم ربحت وكم خسرت؟ وكم شامبه اشتريت؟ آخر هم لهم هو ترسيخ أركان الحكم أو تعضيد أعمدة الدولة.

WhatsApp Image 2023-07-15 at 12.00.31.jpeg
 

الدرس الثاني: أنَّ التراخي الأمني والتهاون العسكري والتخلّي عن الصمعة والبوعشر والسيف والخنجر سوف تدفع ثمنه يوماً ما. زنجبار كانت في سبات أمني تام وكان هناك فشل في رصد تلك التحرّكات الشيطانية.

الدرس الثالث: أنَّ حليفك الأجنبي ورفيقك العروبي الذي اعتقدت أنه يحميك لن يفضّلك على مصالحه، وأن بيعك بأبخس الاثمان في سوق النخاسة السياسية المشحون بالنفاق أمرٌ وارد.

الدرس الرابع: يظل "إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ"، وأن البروتوكولات الشكّلية والنياشين المصقولة والقبّعات المزخرفة والكوشات المنمقة والأنغام الرنّانة مآلها "فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰاتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰاعِدُونَ".

الدرس الخامس: أنَّ الأصالة العمانية هي الركيزة الأساسية للنجاة، فأبطال القصة وُهبوا روحاً عمانية أصيلة وترّبوا على أخلاق عمانية عالية وكانت هي حصنهم الحصين حينما اشتدت الأمور.

الدرس السادس: أنَّ التربية الدينية السليمة القائمة على الروحانية العميقة والعبادة النقّية هي السلاح الأهم لدى العمانيين؛ فلقد كان الإيمان المطلق بالله عّز وجّل وقدرته والثقة به سبحانه هو العنصر الأساسي الذي نجّى العمانيين من تلك الظلمات الحالكة وإلاّ فإن المصيبة كانت أشنع، "وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ".

الدرس السابع: صفاء أمومة عُمان، وأنها الحضن الأحن علينا جميعاً، وإن بعدنا عنها بُعد المشرقين وإن فرقّت بيننا وبينها الأزمان، فحين الشدة المهلكة ستظل تفتح لنا ذراعيها متلهفة لنا بشوق حميم.

الدرس الثامن وهو مهم جداً: حيث إن أكبر آفة سهّلت الفتك بزنجبار كانت فئة "وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ". نعم إنها فئة المنافقين والخونة. الذين مارسوا القتل والتعذيب والدفن للأحياء، كانوا ممن ترّبوا في بيوت العمانيين وشاركوهم الزاد.

الدرس التاسع: أنَّه مهما ظن البعض أننا كعمانيين قد خسرنا ذلك الشطر، لكن الحقيقة هي أننا ما زلنا نكسب ونتوّسع؛ فوجودنا الاخلاقي والثقافي وتأثيراتنا الإنسانية لم تردم في مرادم المذابح الجماعية، بل لا تزال تنبت وتترعرع ثماراً يانعة.

والدرس العاشر: "إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" وأن عُمان وعزيمة العمانيين لن تهزم، ولئن زال الحكم العماني فلم ولن يمتحي الوجود العماني بل هو راسخ ومتجذّر ومتمدد.

عمان هي تاج المحيط الهندي.

 

* رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية العمانية

تعليق عبر الفيس بوك