تساؤلات منطقية بناءة قبل تطبيق دبلوم التعليم المهني والتقني (2-2)

 

 

الدكتور توفيق بن بدر الغيلاني

 

الدكتورة أتوم بنت محمد الخاطرية مديرة مساعدة بمكتب مشروع إدارة وتطوير التعليم المدرسي، ذكرت أنَّه سيتم تدريس 4 مواد تخصصية في إدارة الأعمال (مقدمة في الأعمال التجارية، والتسويق التجاري، وصنع القرارات التجارية، والتدريب على عالم الأعمال)، و4 مواد تخصصية في مجال تقنية المعلومات (إدارة نظم المعلومات، وإدارة قواعد البيانات، والبرمجة والتطوير، والروبوتات ووسائل التواصل الاجتماعي في العمل التجاري)، من قبل شركة بيرسون التربوية البريطانية، من خلال برنامجها BTEC، بالشراكة مع الكلية الحديثة للتجارة والعلوم، فلماذا لم تتم الشراكة والتعاون مع جامعة السلطان قابوس، التي تمتد خبرتها المهنية والتقنية والأكاديمية لـ37 سنة، أو الشراكة والتعاون مع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية والتي تمتد خبرتها لـ39 سنة (حيث إن الكلية العليا بمسقط افتتحت سنة 1984 وهي الآن تحت إشراف وإدارة جامعة التقنية والعلوم التطبيقية)، لتصميم هذا البرنامج المهني والتقني، فضلا عن أن الجامعتين، بهما تخصصا إدارة الأعمال وتقنية المعلومات؟! كما أن الشراكة والتعاون مع تلك الجامعتين الحكوميتين (جامعة السلطان قابوس وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية)، يحقق مستهدفات رؤية "عمان 2040" من خلال تمكين القدرات الوطنية في تحقيق التنمية بسلطنة عمان.

كما أشار أيضًا الدكتور الحارثي إلى أنَّ الدمج بين المواد الأساسية والتخصصية، يتيح لطلبة دبلوم التعليم المهني والتقني، خيارات متعددة من التخصصات في مرحلة التعليم العالي؛ حيث يمكّنهم ذلك من الاستمرار في دراسة التخصص المهني والتقني، أو اختيار تخصصات أخرى بناء على شروط القبول، المعتمدة بمؤسسات التعليم العالي، وهنا يتبادر للذهن سؤالان منطقيان؛ الأول: إذا كان الطالب سيستمر في دراسة، مسار التخصص المهني والتقني في مرحلة التعليم العالي، فهل ستتم معادلة تلكم السنتين اللتين درسهما الطالب، في مرحلة دبلوم التعليم التقني والمهني، عندما سيبدأ الدراسة في مرحلة التعليم العالي؟!

وإذا كانت الإجابة بلا، فما الفائدة من دراسة مسار التخصص المهني والتقني، في دبلوم التعليم المهني والتقني، بوزارة التربية والتعليم، في حين سيقوم الطالب بدراسة نفس التخصص، من البداية في مرحلة التعليم العالي؟!

والسؤال المنطقي الثاني: إذا كان بالإمكان للطالب اختيار تخصصات أخرى، بناء على شروط القبول المعتمدة بمؤسسات التعليم العالي، تختلف عن مسار التخصص المهني والتقني، الذي اختاره الطالب في مرحلة دبلوم التعليم المهني والتقني، فما الفائدة أيضا من دراسة مسار التخصص المهني والتقني، في مرحلة دبلوم التعليم المهني والتقني؟!

وأضاف أيضا الدكتورالحارثي أنَّ الطلبة الذين سيلتحقون ببرنامج BTEC سيحصلون على شهادتين؛ إحداهما شهادة من وزارة التربية والتعليم، والأخرى شهادة من شركة بيرسون، وهي شهادة معترف بها في كثير من دول العالم، مما يساعدهم على الالتحاق بسوق العمل مباشرة، والمنافسة في القبول الموحد لإكمال الدراسة، في معظم التخصصات غير العلمية. إن مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة بسلطنة عمان، لا تعترف بنجاح الطالب في مادة الرياضيات، التي درسها بالصف الثاني عشر بوزارة التربية والتعليم؛ حيث ووفقا لمعايير هيئة الاعتماد الأكاديمي، فيما يخصُّ البرنامج التأسيسي بمؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة، فإن الطلبة المقبولين بتلك المؤسسات، يخضعون لدراسة ثلاثة متطلبات في السنة التأسيسية، والتي منها مكون الرياضيات، قبل البدء بدراسة البرنامج الاكاديمي التخصصي، فكيف ستعترف مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة بسلطنة عمان، بشهادة مسار التخصص المهني والتقني، الصادرة من قبل شركة بيرسون التربوية البريطانية، من خلال برنامجها BTEC، ناهيك أن تلك الشهادة صادرة من شركة وليست مؤسسة أو هيئة أكاديمية معتمدة؟!

وبعد السَّرد المنطقي لتلك التساؤلات، حول مشروع دبلوم التعليم المهني والتقني، يتبادر لذهن القارئ الكريم: ما الحلول التي يُمكن أن أقدمها للمعنيين بمجلس الوزراء الموقر، وبمكتب وحدة متابعة تنفيذ رؤية "عُمان 2040"، والمعنيين أيضا بمكتب مشروع التعليم المهني والتقني بوزارة التربية والتعليم، فإنَّني أنصح بالتريث وعدم الأسراع بتطبيق المشروع المذكور؛ للأسباب التي سبق ذكرها آنفا، فضلا عن أنَّه ليس من اختصاص وزارة التربية والتعليم، رفد سوق العمل بالكفاءات المهنية والتقنية، ويمكن التأكد من ذلك بالاطلاع والرجوع للمرسوم السلطاني رقم 79/2020، بتحديد اختصاصات وزارة التربية والتعليم واعتماد هيكلها التنظيمي؛ فهناك مؤسسات تعليم عالي حكومية بسلطنة عمان، مناط لها الدور لرفد سوق العمل، بالكفاءات المهنية والتقنية، كجامعة السلطان قابوس، وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية، والكليات المهنية التي تقع تحت إشراف وادارة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ويمكن التأكد من ذلك بالإطلاع والرجوع لكلا من المرسوم السلطاني رقم 71/2006، بإصدار قانون جامعة السلطان قابوس واعتماد هيكلها التنظيمي، والمرسوم السلطاني رقم 47/2021 بإصدار نظام جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، والمرسوم السلطاني رقم 98/2020 بتعديل مسمى وزارة التعليم العالي إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي.

وإذا كان لا بد من تطوير دبلوم التعليم العام الحالي، بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل، فأقترح وضع آلية علمية مقننة وعادلة -يتم العمل على بلورتها من قبل فريق من الخبراء العمانيين- تعمل تلك الآلية على تصنيف الطلاب، الذين أنهوا الصف العاشر الأساسي بنجاح إلى فئتين، الفئة الأولى تستكمل دراستها بالكليات المهنية بسلطنة عمان ولمدة سنتين، وتمنح لها شهادة مسار التخصص المهني والتقني، ويتم إصدار تلك الشهادة من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والفئة الثانية تستمر دراستها للصفين الحادي عشر والثاني عشر بمدارس وزارة التربية والتعليم كالمعتاد، وتمنح شهادة دبلوم التعليم العام، لتستكمل مسار تعليمها فيما بعد بمؤسسات التعليم العالي بسلطنة عمان.

وأختم مقالي بالآية رقم أربعة وأربعين من سورة غافر: "فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِىٓ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ".

تعليق عبر الفيس بوك