علي بن مسعود المعشني
Ali95312606@gmail.com
محمد بن راشد آل خليفة.. دبلوماسي عربي من دولة قطر، عُرف عنه العصامية والجرأة والمواجهة والثبات في المواقف المبدئية، والدفاع عن قناعاته بكل شجاعة وأتصف بكرمه وبذله وسخائه مع القريب والبعيد. كان محمد بن راشد حادًا في مواقفه وذكيًّا جدًّا في تحليل ما حوله ومن حوله ومتصالحًا جدًا مع نفسه، يقول ما يفعل ويفعل ما يقول، وكان كأغلب أبناء جيله متشربًا بقيم العروبة الصافية التي لا تقبل المساومة ولا القسمة.
وجد محمد بن راشد في لبنان الستينيات فترة التحاقه بجامعة بيروت فُسحة كبيرة لتنمية وتعميق وعيه وفكره السياسي، حين كان لبنان مُلتقى الأفكار والثقافات ومقصدَ أحرار الفكر؛ فقد ساعدته هذه النقلة على صقل الكثير من قدراته العلمية والفكرية والخاصة؛ الأمر الذي أضاف إلى شخصيته الفطرية القيادية المحببة والمؤثرة أبعادًا كثيرة في رحلته العملية والحياتية لاحقًا.
التحق محمد بن راشد بالسلك الدبلوماسي بعد حصوله على الشهادة من جامعة بيروت العربية، وكان من الرعيل الأول للدبلوماسية القطرية؛ حيث كانت تجربته الأولى في الرباط ثم الخرطوم فبغداد. كان الشيخ سحيم بن حمد آل ثاني وزير خارجية قطر -رحمه الله- مُعجبًا جدًّا بشخصية محمد وبخصاله وحضوره الطاغي على صعيد العمل وعلى الصعيد الاجتماعي كذلك؛ لهذا فقد استثناه بالترقية من سكرتير ثان في الرباط إلى سفير في الخرطوم. كان محمد بن راشد أخًا أكبر لمن حوله وسندًا وعونًا للضعفاء، لهذا كان يتعامل مع مرؤوسيه كأخ أكبر يحيطهم بالرعاية والاهتمام على الصعيدين الرسمي والشخصي. حيث كان يتابع كل صغيرة وكبيرة لهم من حقوق وظيفية وينتزعها قسرًا لهم، إضافة للرعاية الأخوية والأبوية التامة لهم، وكان يخصص لهم من صلاحياته كسفير ويعينهم حتى على أدق التفاصيل كالضيافة والنشاط الاجتماعي لطاقمه، حيث كان يتكفل بتجهيز الولائم والمآدب في داره لأي دبلوماسي معه يرغب في إقامة حفل أو مناسبة، وكان يردد على مسامعهم نحن جميعا نُمثل دولة قطر، ولا مجال للإنفاق الشخصي لمن يعملون معي. في الخرطوم نسج محمد بن راشد علاقات واسعة ومُؤثرة على الصعيدين الرسمي والشعبي وجلب الكثير من المساعدات القطرية للسودان بتأثيره الشخصي في بلاده، وكانت تربطه علاقة خاصة مع الفريق عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية حينها جعفر النميري. كانت الخرطوم لمحمد بن راشد التجربة الأولى له كسفير، حيث أظهر خلالها قدراته الشخصية والدبلوماسية والإدارية الكبيرة وحضوره في الأوساط الرسمية والشعبية في السودان؛ الأمر الذي دفع حكومة بلاده إلى تكليفه بالعمل كسفير لها ببغداد في زمن ملتهب وهو زمن الحرب العراقية الإيرانية.
وحين تولى محمد مهمته الجديدة، كان لابد له من لقاء أمير البلاد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني -رحمه الله- كتقليد متبع للتكليف والوداع معًا، حيث قال له الشيخ خليفة حرفيًا: صدام حسين صديقي، وحين يُحدثك أو يطلب منك أي شيء فلا تكتبه بل عد إلى الدوحة وقابلني وحدثني مباشرة. امتثل محمد آل خليفة لتعليمات أميره وغادر إلى بغداد، وحين قدم أوراق اعتماده للرئيس صدام حسين، سمع من الرئيس قصة من الموروث الشعبي العراقي تحمل معاني ودلالات التعاون والبذل بين الأشقاء ولو بالقليل، فهم محمد مغازي القصة من السيد الرئيس صدام بأنها عتب على قطر لعدم تقديمها أي مساعدة للعراق. غادر محمد بن راشد بغداد فورًا إلى الدوحة وقابل سمو الأمير وقصَّ عليه القصة وفسر مغزاها، وعاد ومعه مساعدة سخية للعراق. كان لوقع هذا الموقف وتصرف محمد رصيد كبير له لدى القيادة العراقية وعلى رأسها الرئيس صدام.
وفي موقف آخر، استدعى ذات يوم الرئيس صدام جميع السفراء العرب المعتمدين ببغداد ليطلعهم على آخر مستجدات الحرب، وتفاجأ بعدم وجود محمد بن راشد بينهم، فسأل مسؤول التشريفات عنه، حيث قال له: سيدي حضر لكنه غادر بعد رفضه الخضوع لجهاز التفتيش على مدخل القاعة، مُبررًا موقفه بأنَّه سفير وممثل لدولة، ولا يليق به ولا بكم هذه المُعاملة حتى وإن كانت روتينية، فأمرهم صدام بإعادته على وجه السرعة، وحين عاد محمد صافحه صدام بحرارة وابتسامة إعجاب عريضة، مرددًا مفردة الفخر العراقية المعروفة: عفية عفية.
رحم الله محمد بن راشد آل خليفة الإنسان والدبلوماسي والأب والأخ الأكبر لمن عرفه، والساعد والعون لمن نخاه، وتقبله مع الأصفياء من عباده الصالحين.
---------------------
قبل اللقاء: "الدبلوماسية تمثيل وتسويق وخط دفاع أمامي للدولة؛ لهذا وجب على الدبلوماسي أن يكون مؤهلًا لكل هذا، ويشبه وطنه الى حد التطابق".
وبالشكر تدوم النعم...،