"قلب.. ما درب"

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

كنت مع والدتي -أمد الله عمرها- بمركز طب وجراحة القلب بالمستشفى السلطاني، وحدث أن دخلت معها إلى غرفة تصوير أغشية القلب بتقنية الصدى (Echo)، ووقفت والصمت رفيقي أرقب شاشة الجهاز وهو الذي استجاب ليد الطبيبة التي أمسكت بتلك الماسحة الصوتية الموصولة بجهاز الحاسوب، وبدأت بتصوير قلب والدتي -أطال الله في عمرها- فأثارت تلك العضلة الصغيرة انتباهي، لاسيما حين بدأت تصور القلب لتحصل على مقطع علوي لصمامات القلب، ويا لجمال حركة صمام القلب العجيب، حيث بدا وكأنه كفين يتلامسان بنظام دقيق عجيب مع انقباض القلب وانبساطه، ذكَّرني منظرهما بمفتاح الدائرة الكهربائية التي كنَّا نرسمها أيام المدرسة، وأن الكهرباء لن تسري إذا لم نغلق الدائرة، ورغم الانسداد الواضح في ثلاثة شرايين إلا أنه يعمل بلا هوادة، فطفقت أتأمل عجيب خلق الله فينا برهبة؛ إذ كيف لهذه العضلة التي لا تتجاوز حجم قبضة الكف أن تقوم بهذا العمل الجبار الدقيق جدا، ونحن الذين لا نكف نملأها حزنا أو غضبا وسخطا أو هما وكمدا، متجاهلين مدى التأثير الخطير لهذه المشاعر على قلوبنا، فليس ببعيد عنا الوفيات المفاجئة بسكتات قلبية في الآونة الأخيرة من جميع الفئات العمرية، كما أننا جميعا صدمنا بأخبار جرائم القتل الأخيرة، من أشخاص أعمى الغضب بصائرهم فقتلوا وأبشعوا القتلة (بكسر القاف)، أوغروا صدورهم بوساوس شيطانية فامتلأت قلوبهم المسكينة ضغينة، فظلموا أنفسهم وغيرهم.

تُرى ما الذي يدفع المرء منا إلى أن نوصل القلوب إلى تلك الدرجة من الغضب الأعمى؟ ما هي خاتمة العلاقات التي يكون التزمت والعناد والمكابرة رفيقها؟ وما الذي سنجنيه إذا تمادينا بالانجراف وراء تلك المشاعر السوداء سوى السواد البغيض الذي يودي بنا إلى ما لا يحمد عقباه، فذاك ملأ قلبه حقدا وغضبا ففتك بأم أطفاله، وأولئك أوغروا صدورهم فقتلوا أحد أرحامهم، وتلك جعلت قلبها مطية للشيطان فقادها لتقتل وتحرق نفوسا بريئة.

أوليست الحياة رحلة قصيرة جدا يجب أن نعيشها بكل ما فيها برضا وسعادة!؟ أولا يعتبر السخط والغضب دليلاً على عدم الرضا بعطاء الله!؟

"قلب ما درب".. قال أجدادنا هذه الجملة للدلالة على أنَّ القلب يجب ألا يدخله ولا يستوطنه كل شخص يمر بحياة المرء منِّا، فهو ليس دربا يسلكه المارة، بل جزء عاقل في أجسادنا، إذا صَلُح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله، وله ذاكرة دقيقة جدا وهذا ثابت علميا، لذا يجب أن لا تنطبع فيه آثار أقدام كل مار به، وبحكمة الأسلاف أدركوا أن كل مُر سيمر، وآمنوا بأن كل حي سيموت؛ لذا فمن المجدي والأصلح أن نتخلص من جميع المشاعر السلبية التي تأتي ضيفا ثقيلا مع بعض الأشخاص والأحداث، وأن نعمر غرفات تلك المضغة الأربع بالإيمان بأن كل ما عند الله خير، وأن نسوق قلوبنا ومشاعرنا إلى أعتاب باب جلال الله ورحمته حين نحس بالألم والخوف، وأن نطرق بابه بالدعاء الصادق أن يهبنا الرشد والتوفيق، وأن يُلهمنا ما فيه خير ديننا ودنيانا وعاقبة أمرنا، ويجب أن لا نثقل كواهلنا بالتفكير بحال لا يدوم، فكل شيء مهما بلغ ثقله وقوته سيتغير حتمًا؛ لأن التغيير سمة كل شيء، كل شيء إلاه سبحانه وتعالى جل شأنه، فسبحان من يغير ولا يتغير.

---------

توقيع:

"إذا بكيتَ بجوفِ الليلِ مبتهلاً... ففي الصباح بإذن الله تبتسمُ

وإن أتَتك جيوشُ الهمِّ غازيةً... فبالصلاةِ على المختارِ تنهزمُ"

(عبدالمجيد السامرائي)