مؤيد الزعبي *
منذ سنوات وهناك الكثير من المحاولات لزرع شرائح إلكترونية داخل أجسامنا، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ بأن هذه المحاولات قد بدأت تتبلور ملامحها وتحدد أهدافها؛ فمنها الترفيهية التي تمكنك من التحكم بأجهزة المنزل أو التحكم بهواتفك، ومنها لتسهيل حياتنا فنزرع مفاتيح سيارتنا وبطاقاتنا الائتمانية الإلكترونية تحت جلودنا، ومنها ما هو طبي تستخدم لعلاج بعض الأمراض أو تحفز بعض الوظائف داخل أجسامنا، وهناك ما هو أبعد من هذا كله؛ شرائح إلكترونية تتصل بأدمغتنا وتجعل منا أشخاصا خارقين ومخترقين في نفس الوقت.
تخيَّل معي أنْ نزرع شريحة داخل أدمغتنا متصلة بالإنترنت حينها لن يصعب عليك الإجابة عن أي سؤال تواجهه، أو يتم ربطها بهارديسك مُخزن عليه كل صورك وفيديوهاتك وذكرياتك وبوقتها لن تنسى أي ذكرى أو تفصيلة بحياتك، ولن تشكو ألزهايمر المبكر مهما أطال الله في عمرك، وتخيل أن تتصل هذه الشرائح بقواعد بيانات مرتبطة بطبيعة عملك فإن كنت محامياً فعقلك متصل بقواعد بيانات فيها جميع القوانين والأنظمة وفيها أيضاً مذكرات قانونية ودفاعات سابقة تخولك لأن تكون صاحب خبرة بعشرات السنين رغم أنك حديث التخرج، ولو كنت طبيباً فأنت تملك خبرة السنين في تشخيص الأمراض ومعرفة ما هي الأدوية المناسبة، خصوصاً وأن عقل مريضك صفحة مفتوحة أمامك وفيها مخزن جميع العمليات الحيوية التي صدرت مؤخراً ومن تحليلها ستتمكن من معرفة الداء والدواء.
قد تقول في نفسك إلى هذه الدرجة سنصل؟ أقول لك لا تستعجل؛ فالأمر سيتعدى هذه كله، فتخيل أن يتم زرع شرائح داخل جميع أجهزتك الحيوية أو يتم إرسال روبوتات نانوية داخل جسمك فحينها يمكننا معرفة وتتبع جميع المؤشرات الحيوية لجسمك كاملاً، وهذا بالطبع سيساعد كثيراً في تقديم حلول صحية أكثر تقدماً وأكثر فعالية، خصوصاً ونحن نمتلك تحليل موقف واضح وصريح عن مشاكل أجهزتك وأعضائك.
قد يقول قائل من مُحبِّي اللغات بأنه بعد زرع الشرائح فلن نحتاج لترجمة جوجل ولن نحتاج لتعلم اللغات طالما يمكننا تحميل ما نحتاج من لغات على نظامنا ومخزوننا وهذا صحيح، ولكن ما حاجة الكلام إن كان يمكنك التعبير عمَّا تريد بمجرد التفكير ويصل للشخص الذي أمامك إشاراتك وأحاسيسك وأفكارك وطلباتك من خلال التراسل العقلي، فكلٌّ منا مرتبط بشبكة تسمح بتبادل مثل هذه الأشياء. يا عزيزي نحن سنتصل بالحجارة والورق ونفهم شعورها فما بالك ببني البشر وقد زرعنا بداخلهم موصلات إلكترونية ستسمح لهم بالتخاطر وجهاً لوجه أو عبر مئات الأميال.
عندما نزرع أدمغتنا بالشرائح لن يكون بيننا من يعاني من العمى، فكل ما هو حولك يمكن محاكاته ليدخل لدماغك ويحلله ليكون الصورة، وصحيح أن هذه الأمر معقد ويحتاج لسرعة لا متناهية في نقل وتحميل ومعالجة البيانات الداخلة والخارجة لأدمغتنا، ولكن هذا سيحصل على الأقل من حيث الفكرة والتخيل، ولن يكون بيننا من يعاني من صعوبات بالنطق أو من هو فاقد لحواس معينة، فكل هذا يمكن علاجه أو محاكاته بطريقة أو بأخرى.
تخيل أيضاً أنه يمكننا وقتها أن نلغي المدارس والجامعات أو نقلصها لتكون مراحلنا الدراسية ما هي إلا تحميل أو تدريب أو انتظار أدمغتنا لتكتمل النمو لنوصلها بشكل مستقر مع شبكات أكثر تعقيداً وأكثر تطوراً، وقد تبدو الفكرة رائجة لكارهي المدارس ولكن مثل هذا الأمر سيفتح الباب أمام تساؤلات لا متناهية في كيفية إدارة الموارد البشرية وطريقة توزيع أدوارهم في الحياة من وظائف ومناصب، ولكن هناك مخرج فحتى هذه الشرائح بإمكانها أن تعرف قدراتك وميولك فتعرف إن كنت من أصحاب الذكاء العاطفي أو الذكاء المنطقي أو حتى الرياضي والعلمي أو حتى إن كان عقلك متجانسًا مع أنماط الخيال والتخيل ويمكن الاعتماد على ذلك في إدارة قدراتنا كبشر.
عندما نزرع أدمغتنا بالشرائح لن نكون بحاجة لنتنقل كثيراً فكل المعارف والتجارب يمكن أن تأتي هي إليك بدلاً من أن تذهب أنت، فلو فكرت بالسفر لتعيش تجربة معينة فبالإمكان أن يصلك إحساسها وتصل لحواسك نشوتها دون أن تُحرك ساكناً، خصوصاً لو كنت تلبس عدساتك وملابسك الإلكترونية فحينها ستعيش التجربة كاملة بعد دمج كل هذه الأشياء ببعضها البعض والأمر لن يكون صعباً أو بعيد المنال.
قد تبدو الفكرة مرعبة حتى ولو تخيلتها بكل هذه الإيجابية، فكيف لو علمت أن كل هذا التطور مُعرف للقرصنة أو التأثير من قبل جهات على توجهات الناس، وتدخل أصحاب الشركات الذي سيصورون لك منتجاتهم على أنها قطعة من الجنة بعد أن يدفعوا لمشغلي هذه الشرائح لتدخل لعقلك معلومات تفضيلية عن منتجاتهم، ولك أن تتخيل أن حروب دول ستقوم على التأثير على كل هذه المعلومات المتناقلة عبر الشرائح، وحتى لا تكون النهاية متشائمة، فكر بحجم الفوائد التي يمكن أن نستغلها لنعالج مشاكل صحية أو اجتماعية نتعرض لها كبشرية، ولكن إن أحسنَّا استخدامها فننعم بحياة أفضل أعدك بذلك، ولكن وعدي مرهون بالطريقة التي نطور فيها مثل هذه التكنولوجيا.
* المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط