ما الهدف من إثارة الكراهية بدعوى حرية التعبير؟

 

 

عبدالله العليان

تُستعاد في بعض الدول الغربية بين الحين والآخر، إما برسوم مشينة لنبي الإسلام (ص)، أو بإنتاج فيلم فيه إساءات للرموز الإسلامية والتهوين منها، أو بمنع الأذان في بعض هذه الدول، آخرها حرق القرآن الكريم في الدولة الإسكندنافية الغربية (السويد)، وهناك غيرها الكثير من الإساءات والاستفزازات التي تُثير الكراهية، وتعمق الخلاف، وتزيد الشرخ الإنساني، دون مُبرِّرات منطقية أو عقلية، يُمكن أن تؤسس لحوار بين الطرفين، لا أنْ تُؤجج الخلاف وتثيره لأحقاد البعض وبغضهم للآخر المختلف عنه. وقد تحدَّثت منذ عدة أيام مع أحد المثقفين الأكاديميين العمانيين، حول هذا الذي جرى في السويد مؤخراً، وما جرى في بعضها قبل ذلك، وماذا تعني هذه المواقف التي تُحاول أن تستفز الآخر، وتدفعه للغضب وردة الفعل التي ترفض هذه الأفعال البغيضة، وتستنكرها العقول الواعية، كونها لا هدف لها ولا منطق، سوى تعميق الخلاف، وجعله مستمراً وثابتاً دون توقف، مع تدويره في كل فترة عند دولة من هذه الدول الغربية.

وانتهى نقاشنا إلى أنَّ الأمر قد يكون لأسباب انتشار الإسلام في دول الغرب بشكل لافت، ودخول آلاف من الغربيين في الدين الإسلامي سنويًا، وهو ما اعترف به قبل عقدين الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" ورئيس وزراء بريطانيا "توني بلير" من "أن الإسلام أوسع الأديان انتشاراً في الغرب"، وهذا ربما أثار بعض الدوائر اليمينية في الغرب، مع دعم الدوائر الصهيونية. أو أن هناك بعض التوجهات لبعض الدوائر الغربية المتطرفة، تدعو لطرد المهاجرين العرب والمسلمين، وهذا تحدث عنه بعض السياسيين الغربيين وأكثرهم من اليمين الغربي، لكن هذا الطرد قد يتم من خلال استفزاز هؤلاء، وربما دفعهم إلى اتخاذ مواقف عنيفة، تكون مبرراً للطرد أو الإبعاد. والأغرب أن هذه الأفعال المشينة، يتم الدفاع عنها من بعض السياسيين بالقول إنها من حرية الرأي والتعبير! وهذا القول لا سند له منطقيًّا، ولم يجر في طرح فكري وثقافي للرد على شبهات هؤلاء في الفكري الإسلامي، حتى يتم الرد عليها، لكن الأمر ليس كذلك، فأين هي الحجة التي تنتقد الإسلام وكتابه الكريم؟ فلا حُجة لهؤلاء، وكل حججهم القديمة التي أثارها الاستشراق فشلت وأصبحت بضاعة مزجاة، وقد كشفها الأكاديمي المسيحي العربي (إدوارد سعيد) في كتابه الشهير "الاستشراق"؛ لذلك الحجة الباقية لهم، هو الاستفزاز، والكراهية، أو إهانة الرموز الإسلامية.

ويَروي خالد شلدريك المستشرق البريطاني المسلم كيف أنَّ الخصومة للإسلام هي التي أهدته إليه وكشفت أمامه الطريق إلى الحق؛ فيقول: "لم أتلق هذا الدين في أول الأمر من كتبه، ولكنني تلقيته من كتابات الطاعنين فيه. لقد حملني البحث والتأمل إلى دراسة الديانات الأخرى، فدرست البوذية والبرهمية وسائر الأديان. وفي دور الكتب العامة في بريطانيا دراسات عن كل الأديان ما عدا الإسلام؛ إذ إنَّ الكتب التي ألفت عنه مملوءة بالتحامل والمطاعن والعرض الظالم والزعم بأن الإسلام ليس ديناً مستقلاً، لكنه أقوال محرفة عن كتب المسيحيين! وقد تساءلت في نفسي: إذا كان لا أهمية للإسلام إلى هذا الحد، فلماذا يبذلون كل هذه الجهود للتحامل عليه ومقاومته وتوجيه المطاعن إليه؟ وقد وقع في نفسي -كما يقول- أنه لولا أنَّ الإسلام دين يخشاه هؤلاء ويحسبون حساباً كبيراً لما فيه من القوة والحيوية، لما بذلوا كل هذه الجهود لمقاومته والطعن فيه وتشويهه. لذلك؛ عزمت على قراءة هذه الكتب التي كتبت عنه. فالإسلام لا يخيفه انتقاد منتقديه لكنَّ هناك فارقًا بين النقد وبين الشتائم والازدراء والكراهية".

فالبعض في الغرب لم يعد ينظر إلى العرب والمسلمين تلك النظرة المنصفة والعادلة في أغلب المواقف، بل على العكس نجده يغذي عوامل الاختلاف والتقاطع على الصعيد الفكري والإعلامي والسياسي، أكثر مما يبحث عن مجالات التقارب والتواصل والتفاهم، وهي كثيرة، وهذا يحدث حتى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي مواقف لم تتغيَّر للأسف في واقعنا المعاصر، وآخرها ما وضعته الصحيفة النرويجية من رسوم كاريكاتيرية مسيئة للرسول (ص)، كما أنَّ الحملات لا تزال مستمرة على الإسلام بصور متعددة، وأنه دين يدعو إلى العنف والتطرف والاستبداد، وأنه ضد المرأة وغير ديمقراطي...إلخ. قد يقول البعض: إن التراكمات النفسية التي أوجدها بعض المستشرقين واليهود أسهمت في ترسيخ هذا المفهوم الخاطئ، لكنَّ القضية ليست بهذا التبسيط، بل إنَّ هناك مؤشرات قديمة لا تكف عن الادعاء بالخطر الحضاري الإسلامي منذ منتصف هذا القرن وحتى الآن.

والإشكالية أنه دائماً هو البادئ بالهجوم منذ عدة قرون ليس بغزو واحتلال فحسب، بل أيضاً بتوجيه الاتهامات التي ما أنزل الله بها من سلطان. فهذا الدين في نظره دين عنف وإرهاب، واحتقار للمرأة، وضد الحرية والتعددية، ومحارب للعقل والإبداع، ولا يعترف بحقوق الإنسان، ويناهض الديمقراطية والرأي الآخر، ويخلط بين الدين والدنيا. وهذه القائمة الطويلة من الاتهامات نجدها منتشرة في الكتابات الصحفية، وعند أقلام الباحثين، وعلى ألسنة السياسيين، ثم يرددها رجل الشارع في الغرب؛ مما يدل على أنَّها أيديولوجيا موجهة قوامها تحقير الإسلام وهذه الممارسات لا تساعد على الحوار ولا تُسهم في نزع التوتر القائم الذي يدفعه البعض إلى المواجهة دفعا، وهذه قضية تحتاج إلى عقلية المنصفين والساعين إلى لغة الحوار والتفاهم بعيدا عن الأحكام المسبقة، والنظرة غير العادلة تجاهه وفكره، والإساءات المستمرة للعقائد والرموز.