مقبول حميد.. ونهاية "الدرب الطويل"

 

 

حمود بن علي الطوقي

ودَّعت الساحة الاقتصادية والإعلامية رجلَ الأعمال البارز مقبول بن حميد آل صالح، بعد حياة حافلة بالإنجازات استمرَّت نحو 83 عاما، نعم كان يوم الأول من يوليو آخر يوم تغرب فيه الشمس ويودع صاحب كتاب "دربٌ طويل".. رحلته مع هذه الحياة.

انتشرَ خبر وفاته على كافة شبكات ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وبرحيله تفتقد السلطنة أحد أبرز الشخصيات التجارية؛ حيث يعد من كبار التجار ليس فقط على مستوى السلطنة، بل على مستوى الخليج والعالم.

أعرف الراحل مقبول بن حميد آل صالح منذ فترة طويلة، وجمعتنا معه لقاءات عديدة؛ حيث كان يعشق الإعلام ويحترم الصحفيين ويرى أن الصحفي صاحب رسالة.

وعندما ألَّف كتابه "درب طويل" -وكان هذا هو العنوان الذي اختاره ليرصد مذكراته- اتصل بي لكي يهديني نسخة من الكتاب؛ حيث قال لي "في هذا الكتاب ستقرأ سيرتي التي هي بمثابة بانوراما عن ذاكرة الإنسان والمكان". حقيقة استمتعت بقراءة السيرة الملهمة والعصامية لشخصية عمانية قيادية شقَّت طريقها من الصفر، لتتربع بعد مسيرة من العمل مكانة رفيعة في عالم المال والأعمال والإعلام.

نعم.. إنه سرد ثري لمعالم بارزة من مسيرته الممتدة لأكثر من ثمانية عقود من الزمن. وها هو مقبول حميد يودع الحياة الدنيا الفانية إلى حياة الآخرة الخالدة، أنهى مسيرة دربه الطويل التي بدأت مع مولده في العام 1940 في مطرح، ذلك المكان الذي وصفه في مذكراته بأنه وثيق الترابط.

مقبول حميد أحب التجارة بكل أبجدياتها، وأبدع بل وتفوق في مختلف صنوف الاستثمار، ووضع بصمته في مجال الإعلام ليكون أول مؤسس إذاعة خاصة وهي إذاعة "هلا.إف.إم". كان دخوله هذا المجال تحديا ليفتح المجال لإذاعات جديدة لأنه كان يرى أنَّ المنافسة لابد أن تتم حتى نرى الإبداع والابتكار في المحتوى الإعلامي.

تجربته في دخول عالم الإعلام بدأت في وقت مبكر، حيث ذكر لي أن تجربته في الإعلام بدأت من الدخول إلى عالم السينما؛ حيث قام بإنتاج فيلم في إحدى ضواحي أمريكا، إلا أنَّه خسر في هذا المشروع بسبب المنافسة التي جاءت من اللوبي اليهودي الذي يسيطر على هذه الأعمال هناك. ورغم ذلك لم يستسلم وظل مشروع الإعلام يراوده حتى أسس إذاعة "هلا.إم.إف" وكان له دور وتشجيع في تأسيس جريدة "الزمن".

في مكتبه، استعرض لي مجموعة من الصور التي تؤرخ مسيرة عمله؛ حيث تجمعه صور عديدة مع شخصيات وقيادات عربية وأجنبية حسب ما ذكر أن حياته بدأت فعليا عندما استقال من عمله من الجيش، وتوجه إلى العمل بدبي بمساعدة صديقة الدكتور محمد موسى اليوسف، وكان ذلك في مجال المحاسبة.

في مذكراته يذكر أنَّ الحياة بمعناها الصحيح بدأت معه في يوليو عام 1970 مع وصول السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- الذي بعث رسالته لجميع المواطنين في الخارج بالرجوع إلى السلطنة والعمل في خدمة بلادهم؛ الأمر الذي أدى بي أن أعود للبلاد في 26 يوليو عام 1971، وأتقدم للعمل بشركة تنمية نفط عمان التي لم أوفق فيها رغم نجاحي، وتقدمت للعمل في الديوان فتم تعييني بسكرتارية الديوان. وخلال العمل تمت ترقيتي في عدة مناصب لحين تم تعييني وكيلاً للديوان، ثم تم نقلي لوزارة الشؤون الاجتماعية للعمل وكيلا بالوزراة، حيث استفدت كثيرا من الرجل النزيه خلفان بن ناصر الوهيبي في الكثير من الأعمال".

وأخيرا.. قال إنَّه في العام 1982 تمَّت إحالته للتقاعد من الحكومة، مؤكداً أن قاموسه الشخصي لا يعترف بشيء اسمه "تقاعد"، وأنه مستمر في إنجاز العديد من الأعمال في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويملك مقبول اليوم العديد من الشركات تعمل في مجالات السياحة والاستثمار والصناعة وغيرها من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

رحم الله مقبول حميد الذي انتقل إلى جوار ربه يوم السبت الأول من يوليو 2023 عن عمر يناهز 83 عامًا.. وتعازينا لكافة أفراد أسرته الكريمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.