أحيوا تقاليد العيد قبل اندثارها

 

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

(1)

يأتي العيد مُحمَّلا بالذكريات، يأتي ومعه صوره السينمائية التي عَلِقت من الماضي، صور لا تزال مطبوعة في الذاكرة، اختفت معظم مَلامحها، وتغيرت ملامح أخرى، وانمحى الكثير منها، ولكنها لا تزال مطبوعة في القلب، وفي الذاكرة، كرسم لا يزول، ولا يندثر.

 

(2)

الأجيال تتوارث التقاليد، وتزيد بعض اللمسات عليها، وتنسى -أو تغيَّب- بعضها، وتأتي بجديدها أحيانًا الذي يناسب زمانها، ومكانها، غير أنَّ مظاهر العيد التقليدية في كثير من المحافظات والولايات اختفت، ولم تعد تؤدَّى بنفس الحماس، ولا بنفس التلقائية، والعفوية، والحب، ففي الماضي لم نكن نحتاج إلى تشكيل لجان مشرفة، ولا إلى لجان منظمة، ولا إلى الدعوات شبه الرسمية للحضور، كانت المشاركات عفوية، نابعة من القلب، يشارك فيها الجميع دون استئذان، لزرع البهجة والفرحة في نفوس الناس، دون استثناء.

 

(3)

اليوم أصبحت فعاليات العيد أكثر "برودة"، وأقل تفاعلا شعبيا؛ حيث يتكفل مكتب الوالي -أحيانا- أو جهات تجارية وترويجية أحيانا أخرى بتكاليف الحفل، ومصاريف الهدايا، ويقام الحدث عادة في مجمع تجاري، أو في حديقة عامة، وتكون الفعاليات خاصة للصغار، ويبقى دور الكبار هو الفرجة على مشهد الألعاب، والمسابقات، وفقرات الترفيه الأخرى، لقد غاب صخب العيد، وغدت الفرحة مصطنعة، ككثير من الأشياء حولنا.

 

(4)

اقتصرتْ مظاهر العيد في كثير من الولايات على الأكل (ذبح الأنعام، والشواء، والمشاكيك، والأكلات الأخرى حديثها وجديدها)، وصار العيد عند البعض عبارة عن الملابس الجديدة (نعال فاخرة، ومصر باهظ الثمن، وعدد من الدشداشات لكل يوم من أيام العيد...)، رغم أنَّ كل هذه المظاهر لم تعد مُقتصرة على العيد؛ فاللحوم متوفرة طيلة العام، وتفصيل الملابس في كل مناسبة، وبدون مناسبة، ومع كل هذا التفاخر والسباق لتجديد الشكل الخارجي، نسي البعض زيارات الأقارب والأرحام، وأضحت المجالس خالية، والزيارات محدودة، والقبلات باردة، وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والألعاب الإلكترونية هي البديل الذي يلهي الكثير من الصغار -وحتى الكبارـ عن جوهر العيد، ومضامينه العميقة.

 

(5)

وفي هذا المشهد الضبابي، تبقَى بعض الولايات والقرى العُمانية -خاصة الجبلية منها- محافظة إلى حدٍّ كبير على مظاهر العيد، وفرحته العفوية، وبعيدة عن تأثير المدنية الزائفة، وتحولاتها، باقية على إرث الأجداد، وحافظة لتقاليد العيد، بممارساته، وامتداداته، وعاداته، وهي البقية الباقية من رائحة الماضي التي ما زالت تمد رئة المدينة -الملوثة بالتغييرات السلبية- ببعض الهواء النقيّ، الذي يعيدنا إلى طبيعتنا الأولى التي ضاعت وسط كل هذا الضجيج الذي لا يسمعه أحد!!

وإلى كل المسؤولين في تلك الولايات التي نسيت مظاهر العيد التقليدية.. أعيدوا للعيد بهجته، وأحيوا فرحته قبل اندثار ما بقي منها.