مؤيد الزعبي
انتشر خلال الفترة الماضية العديد من المحاكاة باستخدام الذكاء الاصطناعي لطريقة وصوت العديد من المطربين في الغناء، وقد أبدع محترفو برمجيات الذكاء الاصطناعي في تحويل بعض الأغاني لشكل وأسلوب جديد، فيما راح البعض يجرب أغنيات بصوت الفنان المفضل لديه، وقام آخرون بإيجاد أغانٍ مشتركة بين نجوم الغناء العربي مما سيفتح الباب على مصراعيه لحقبة جديدة نجد فيها نموذجا جديدا من الإبداع الموسيقي من جانب وسرقة حقوق ملكية ومجهودات ومهارات وشهرة من جانب آخر.
لقد أعلن الملحن المصري عمرو مصطفى أنه سيطلق أول مطرب للذكاء الاصطناعي وسنجده يحاكي الواقع بطرح أغانٍ ويشارك في حفلات ولا أستبعد أن أجده في الصف الأول لأكثر المطربين استماعاً في الخليج إذا ما تم بناء هذه البرمجيات بطريقة احترافية إبداعية تتناسب مع متطلبات الفن في عصرنا الحالي والقادم.
لقد طرحت مسبقاً فكرة أننا سنجد في المستقبل برمجية تستطيع محاكاة أعظم الفنانين والأصوات العربية ونشهد عودة أم كلثوم وعبدالحليم وغيرهم من الفنانين، والأمر بات اليوم واضح المعالم فقد سمعت خلال الأيام الماضية مئات المحاكاة لأصوات فنانين وأغلبها متقنة بشكل كبير والحديث هنا عن هواة أو بعض المحترفين المستقلين فماذا لو دخلت شركات إنتاج بثقلها الاحترافي والمالي في هذه الساحة حينها لن تعود أم كلثوم بل سنجدها حاضرة في أغانٍ لم نكن نتوقعها ولن يكون مستغرباً إن وجدنا صوتها يغني آلاف الأغاني الجديدة.
بوجهة نظري أننا في المستقبل القريب سنتخطى كل هذا ونصعد بالفن الموسيقي لعوالم أكبر، وبدلاً من الاكتفاء بحبنا لسماع أغنية بصوت معين سيكون بمقدورنا أن نسمع الأغاني جميعها بصوت هذا الفنان، وستصيح البرمجيات متناولة بشكل كبير وستتيح لك خيارات تغيير مغني الأغنية وتسمعها بمئات الأصوات وحينها إذا لم يعجبك اللحن أو التوزيع ستغيره بكبسة زر وربما تختار اللغة التي تسمع فيها الأغنية؛ وما المانع طالما الذكاء الاصطناعي قد فهم اللعبة وحفظ الدرس وأتقن الحرفة.
الإبداع شكله وصفاته ستتغير في قادم الأيام، وستظهر لنا الآلاف من المحاولات حتى يستقر الأمر ونجد أطرًا وروادا ومبدعين يرسمون ملامح الموسيقى والغناء المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الجانب ستظهر لنا مشكلة كبيرة في مسألة حقوق الملكية وسنحتاج لأطر قانونية وأخرى تنظيمية لحل هذه المسألة، فهناك أصوات وأغانٍ قد تعب أصحابها من أجل التواجد في عالم الفن، وهناك مسيرة طويلة لمطربين وملحنين وموزعين ولا يمكن بأي حالة من الأحوال استغلال هذه الأصوات سواء في محاولات فنية أو حتى محاولات الهواة.
أنا لست ممن يطالبون بمحاربة الذكاء الاصطناعي؛ بل على العكس، يجب أن نستغله ونستغل إمكانياته في خلق موسيقى جديدة ومحاكاة لموسيقى قديمة، واستغلاله في إحياء رواد وأسماء حفروا أسماؤهم في تاريخ الموسيقى، ولكن يجب أن ينظم الأمر منعًا لسلب حقوق أو التعدي عليها، ويجب أن ننظر للذكاء الاصطناعي في عالم الإبداع على أنه فرصة وطريقة جديدة للظهور بأعمال فنية وإبداعية أكثر إتقان وأكثر جمالية.
من ينجح في توظيف الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في خلق موسيقى جديدة وطريقة غناء يحبها الناس ويستمتعون بها سيكون له مستقبل واعد في عالم الفن حتى وإن كان ذا إمكانيات فنية قليلة، فالمستقبل لن يعتمد على الموهبة بحد ذاتها؛ بل على من يستغل موهبته ويستغل قدراته ومهاراته ويجمعها بقدرات البرمجيات فيخرج بوصفة إبداعية فريدة، ولك أن تتخيل أن صاحب صوت ضعيف ربما يصبح عملاقا غنائيا بفضل الذكاء الاصطناعي، وربما يجد البعض في هذا هراء أو ظلم لأصحاب الأصوات الجميلة ولكن كل شيء يتبدل وموهبة المستقبل هي مهارة أكثر منها موهبة، وعلينا الاعتراف بهذا.
الموسيقى والغناء في المستقبل سيرتبط بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير جدًا، فمجرد محاولات بسيطة ظهرت لنا هذه الأيام أنطقت الأموات من الفنانين وغيرت من أسلوب الأحياء منهم، ومازلنا في البداية والقادم سيكون متطورًا لدرجة نسمع فيها مزيج من عوالم بعيدة ندمج فيها موسيقى العصور الحجرية بموسيقى عوالم الفضاء وإن كان هذا التعبير مجازيًا، فسيفهمه من نظر للأمر من وجهة نظر مغايرة وفهم لعبة المستقبل الموسيقي بطريقة صحيحة.
** المنسق الإعلامي ومنتج الأخبار لصالح مجموعة الصين للإعلام الشرق الأوسط