لو كنتُ مسؤولًا (10)

 

المتحدث الرسمي

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

 

الإعلام ركيزة من ركائز العمل في أي مجتمع، وهو وسيلة فاعلة، ومؤثرة، ومن خلالها تحدد الكثير من التوجهات المجتمعية، وتعزز المسارات الوطنية، والحكم بأنه أداة فاعلة، وغير فاعلة، مرده إلى المساحة المتاحة أمامه وأمام وسائله المختلفة، ومن ثم ثقة المجتمع فيه، وإدراك أفراده لأهمية الإعلام، وكذلك إمكانات الإعلام المادية والبشرية، وأدوات صنعه لرأي عام ينطلق من المجتمع، ويرعاه الإعلام، ويعود إلى المجتمع في قالب متين ضخم، يؤثر في صنع القرارات، والمسارات، والتوجهات.

وكلما تقدمنا وتطورنا، كلما تقدم الإعلام وتطور، وأصبح أكثر حضورًا، وتأثيرًا، هذا التأثير إن كان سلبيًا قد يؤدي لزعزعة الأمن والاستقرار، ويذهب بالمجتمع إلى الفوضى غير محمودة العواقب، وأقصد بالسلبي هنا ذلك النوع المثير للجانب المظلم من الكثير من القضايا، والذي يدعي أنه ممثل المجتمع، والناطق باسمه، وهو في الحقيقة يبحث عن الإثارة التي لا فائدة منها إلا زيادة الهُوة بين المجتمع من ناحية ومؤسسات العمل الرسمي من ناحية أخرى بقصد جلب أكبر عدد ممكن من المتابعين والمهتمين بوسيلة هذا النوع من الإعلام.

أما التأثير الإيجابي فهو لذلك الإعلام المتزن الذي يراعي مصالح المجتمع وحاجاته، وقدرات المؤسسات الرسمية وإمكاناتها، ويصنع رأيًا عامًا مُتزنًا، فلا ضرر ولا ضرار، والمصلحة وطنية مشتركة، وله؛ بل وعليه أن يضع يده على مواطن الخلل للتنبيه إليها، ورصد حلولها، وتجاوز عقباتها، بشكل منهجي موضوعي متزن، واضح الهدف، محدد الفكرة؛ فهو لسان حق ناطق بالخير، ساع نحو الأفضل، يكون أحد أعمدة البناء والتطوير، وأدوات التقدم والرقي، ووسيلة فاعلة لتقريب وجهات النظر، وتعزيز العلاقة بين المجتمع وأفراده، وبين المجتمع والمؤسسات المختلفة، وكلما كانت العلاقة متينة قوية، كلما كانت الثقة متبادلة، وبالتالي يكون المجتمع محصنا بإعلام تنموي فاعل، ومجتمع واع، ومؤسسات هدفها الصالح العام والخدمة المجتمعية.

من منطلق ذلك فإن للإعلام مكانة، ودورًا، وعلى كل مسؤول إدراك ذلك الدور، وتفعيله، وتعزيزه، وجميل ما نسمعه؛ بل ونراه من توجه حكومي يدعو إلى الاعتزاز بإعلامنا، فالتوجيه لمؤسسات الدولة المختلفة بتعيين أو تكليف شخص يكون ممثلًا لها ومتحدثًا رسميًا باسمها، خطوة على طريق واضح المسار؛ فالغاية توطيد العلاقة بين مختلف عناصر العمل المؤسسي والمجتمعي، مع معرفة الجميع بكل جديد، ومن مصادره التي لا مجال معها لتأويل أو تهويل، ومن ثم القضاء والحد مما يصاحب العديد من القضايا من شائعات لا طائل من ورائها غير إثارة المجتمع، والنيل من تماسكه ووحدته، كما أننا بوجود متحدث رسمي نترسم خطط المستقبل في إطارها الوطني المعروف، وتتضح رؤية "عمان 2040" بمسارها المشرّف المأمول.

واعلم أيها المسؤول الكريم، المسألة ليست في تحديد متحدث رسمي عن مؤسستك؛ وإنما من يكون هذا المتحدث؟ ذلك أنه سيكلف بمهام عظيمة، فهو الناطق عن المؤسسة، المدافع عنها، الشارح لجهودها، حلقة الوصل بينها وبين المجتمع بكل فئاته، ووسائل الإعلام بكل أنواعها. لذلك فإن المتحدث الرسمي لا بد أن يكون صاحب حضور من حيث الإلمام والمعرفة بجهود المؤسسة، وخططها وبرامجها، على علم برسالتها ورؤيتها، حصيف في فهم اختصاصها ودورها الوطني، عارف بعلاقتها مع غيرها من المؤسسات من حيث علاقة العمل التكاملي، مطلع على ما يستجد من قضايا وتساؤلات، أمينا، مخلصا، متقد الفكر، مقتنعا بما يقول.

وعلى المتحدث الرسمي أن يكون مُتزنًا في طرحه، مُتوازنًا بين متطلبات المؤسسة، وبقية الشركاء، دقيقا في معلوماته، متسلسلا في طرح رؤيته، لغة الأرقام حاضرة لديه بقوة، وبوضوح، وعلى المتحدث الرسمي أن يكون صاحب لغة يسيرة سهلة واضحة، فلا غلو ولا تقصير، وعند اختيار ألفاظه فعليه الوضوح والدقة فلا تأويل لحديثه، ولا استنتاجات لا فائدة منها.

كما يجب أن يكون سهلًا متواضعًا، فهو لسان مؤسسته، وواجهة لها، فلا تستفزه الأسئلة، ولا تثيره الأطروحات، بل عليه أن يكون واثقا متمكنا، فلا دفاع دون إقناع، ولا حديث أدبيا إنشائيا، بل وضوح، واكتمال للحديث، وبيان الأمر على حقيقته. كما يجب أن يعلم حدود المسموح بالحديث عنه، ذلك أن للعمل الوطني المؤسسي حدود لما يمكن بلوغه للعلن، وهذا راجع لطبيعة كل عمل، ودور كل مؤسسة.

ولا بُد من توثيق ما يصدر من هذا المتحدث الرسمي، حفظًا لحقوق المؤسسة، وحقوقه، وحقوق المتلقي عنه، ولديه المساحة الكافية للرد على التساؤلات، فلا يقبل الناس متحدثا لا حول له ولا قوة.

ختامًا.. عند اختيار المتحدث الرسمي فلا بُد من الاختيار المناسب للشخص المناسب.